حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

(سلسلة إبداعات صغيرة): لن أكتب بعد اليوم !! بقلم الطالبة: أمنية خالد

الطالبة بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان- جامعة الأزهر

لن أكتب بعد اليوم، جملة قلتها لنفسي، لتتوقف عن الكتابة، فكفاها كتابة ما لا يُقرأ، في مجتمع ليس لديه ثقافة التفرغ بعض الوقت للقراءة، في عصر مواقع التواصل الاجتماعي والعوالم الزرقاء مثل: فيسبوك، وتويتر.

في زمن يُترك المقال القائم على الدراسات والبحوث لأنه طويل، وتنتشر سطور الجاهلين وكأن منشورات فيسبوك أصبحت مرجعا علميا، في زمن أصبحت صور الفتيات الانستجرامية اللامعة للفنانات اللواتي لا يقدمن فنًا بل ظلم للإسفاف أن ننعت به ما يقدمونه ومع ذلك تتصدر صورهم المشهد.

ما فائدة الكتابة في عصر التريندات؟ ، ولماذا مطلوب مني أن أعلق على تصرفات القاصي والداني والتافه والمائع؟

كي أكون مشهورًا، كي ( أركب التريند) على حد قولهم، ولكن لم يبالوا أنني سأفقد نفسي، سيتوه قلمي، ستندثر تباريح روحي، ستتوقف مخيلاتي وأحلامي، وستنهار لغتي، إذا ما انساقت روحي خلف هذا الهراء لأكون مثلهم، مجرد إمعة.

دموع القلم

وبدلاً من أن تكون الكتابة للغرض التي خلقت له، ألا وهو صنع عالم جميل، وحديث أخلاقي يخرجنا من مرارات انعدام الأخلاق، إلى مادة كتابية ترجعنا لنقطة الوجع داخلنا، وتقوم المعوج في أنفسنا، تجدها أصبحت قلمًا للتشهير بفلان، ونصح فلان على الملأ، والتعليق على صور تلك الماجنة وذاك الشاذ وتلك القضايا التي يستحي القلم أن يكتب عنها، أظن أن حبر الأقلام يسيل الآن دموعًا مكرهة على خط سطور يقودها مجتمع واقعه منحل، لأجدني في النهاية إما أن أكتب ما يحبه الجمهور، وإما أن استمع لقولهم وللجملة التي وصلت لمسامعي من لساني في لحظة إحباط لن أكتب بعد اليوم.

الكتابة إدمان

لكل من يقولون لي لماذا تكتبين، وكفاكِ كتابة، ومتى تملين، والكتاب أفقر من بائعي البطاطا، وماذا أعطتك الكتابة؟!

أسألكم أنا سؤالاً، هل جربتم أن ينادي عليكم صوت بداخلكم كل يوم في مواقيت مختلفة لأن ثمة حروف انحشرت في فوهة القلب، تتصارع وتتشاجر ليخرج كل منها مولودًا جديدًا من رحم القلم، لدنياه على الورق، هل جربتم أن يدمن أحدهم إيصال إلهام يومي يدعوه لأن يكتب، يكتب فقط.

كاتب مسلوب الإرادة

ليتني استطعت ترك الكتابة، أو استطيع أن لا أكتب، لكنني أمام القلم مسلوب الإرادة، ولا أخفيكم سرًا أحيانًا يتألم قلبي، إن أردت الكتابة عن فكرت ما، ووقفت أمامها فلم أجد ما استدعيه من الحديث ليعبر عن مشاعري، أحيانًا يعجز قلمي عن وصف شعوري، وهذا له ألم من نوع خاص، كالمحب الباكي الذي استثارته مشاعره وعندما انتهى البكاء علي أطلال محبوبته نضبت الخواطر التي تجمعت حين ثورة الحزن في نفسه، لذلك لم يكتب قيس عن ليلى إلا وهو في سكرات الآلام، ولم يكتب كثير عن عزة إلا من بين تباريح الأتراح والأسقام، ولم يكتب جميل عن بثينة إلا والصبابة تأكل روحه.

أقبل ديار الكتابة

ولم يمر الشاعر بديار ليلى يقبل ذا الجدار وذا الجدار لأن الديار شغفن قلبه ولكن حبًا فيمن سكن الديار.

كذلك أنا أقبل القلم والورقة، ودفتري، ومفكرتي الإلكترونية، والمواقع الإلكترونية التي سمحت لي بإخراج مواليدي الكتابية للنور، ليس حبًا في ذاك الجهاز الإلكتروني ولا في الحبر الذي يتصبب من القلم، ولكن لصبابتي بالحروف وعشقي للكتابة.

 ما الذي أعطتني إياه الكتابة؟

أقول لكم، وما الذي لم تعطني إياه الكتابة؟!

جعلتني الكتابة قارئًا متفحصًا

الكتابة أعطتني حبًا للعلم والقراءة والبحث والتفحص، زادتني بصيرة، أنا لا أنام على الوسادة لأنها تريحني فقط، ولا انظر لها أنها وعاء ممتلئ بالقطن، بل أستطيع أن أصف لكم كم حوت تلك الوسادة داخلها من تباريح وأتراح وأفراح، وكم ابتلعت دموعًا محرقة قاومت الهطول، وكم حملت رأسًا متعبًا ممتلئًا بالأفكار.

جعلتني القراءة فطنًا

أستطيع قراءة النص لأفهم باطنه البعيد الذي ربما يتضاد معناه مع ظاهره، فكما لقانون الواقع روح القانون، فهناك روح النص، وما وراء الكلمات، وهذا لا يفطن له سوى عاشق للكتابة.

جعلتني الكتابة مثقفًا

تراودني حين الكتابة تساؤلات، وعناوين، تحتاج لدراسات وبحوث مطولة، تحتاج لمراجع وساعات قراءة كثيرة، وعيناي تتفحص الواقع أحتاج أن أعرفه من جميع زواياه.

لذلك قبل أن تكون كاتبًا يجب أن تكون قارئًا جيدًا، والقراءة غذاء الروح، وكل غذاء له طاقات متعددة يخرج بها، وطاقتي المفضلة هي الكتابة، فكيف أتركها؟!

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu