[سِرْ يا براقُ.. وقفة شعرية في رحاب الرحلة المباركة] شعر أ.د/ السيد عبد الحليم الشوربجي
أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية البنات الأزهرية بطيبة- الأقصر.. جامعة الأزهر
سِرْ – يا بُراقُ – وَعطِّرِ البَيداءا | |
وانْثُرِ على هامِ الرُّبى الأنْداءا | |
سَطِّرْ بحافِركَ الطَّهورِ حِكايةً | |
قَد أَعجزَتْ أَحداثُها البُلَغاءا | |
سِر – يا بُراقُ – فَأنتَ تَحمِلُ مِشعَلاً | |
بِبَريقهِ أُفقُ الظَّلامِ أَضاءا | |
هذا رَسولُ اللهِ فوقَ بُراقهِ | |
كالبَدرِ عمَّ بِنُورهِ الأَرْجاءا | |
يَرنُو إلى لَيلِ الضَّلالِ مُبشِّراً | |
بِبُزوغِ فَجرٍ يَمحَقُ الظَّلماءا | |
يَسرِي منَ البيتِ الحَرامِ مُتوَّجاً | |
للقُدسِ يَمضِي.. يَمتَطي الجَوزاءا | |
حَدِّثْ – بُراقُ – وقُلْ لنا عَن رِحلةٍ | |
فَتحَتْ لِوَجهِ رسُولِنا الأَجْواءا | |
فَتحَتْ لهُ الكونَ الفَسيحَ بِما بهِ | |
لِيَرى بهِ الآياتِ وَالآلاءا | |
لمَّا أَتى جِبريلُ بالخَبرِ الَّذي | |
سَرَّ الفُؤادَ وخفَّفَ البُرَحاءا[1] | |
قُم يا مُحمَّدُ، كَونُ ربِّكَ كلُّهُ | |
يرنُو ليَنظُرَ وَجهكَ الوَضَّاءا | |
قُم – يا محمَّدُ – وَعدُ ربِّكَ نافِذٌ | |
سَيَصيرُ كَيدُ الظالمِينَ هَباءا | |
لا تَبتَئِس مِن ثُلَّةٍ رَفضَتْ قَوا | |
نِينَ السَّماءِ، ولَم تُجِبكَ نِداءا | |
عَمِيتْ قُلوبُ الظَّالمِينَ، فَلمْ يَعُوا | |
خَبرَ السماءِ، ولَم يَرَوا أَضواءا | |
قُم – يا محمَّدُ – وَامتَطِي سُبُلَ الهُدى | |
وَاعرُجْ إلى الرَّحمنِ، والْقَ هَناءا | |
هذا هُوَ الكَونُ الفَسِيحُ بصَدرِهِ | |
مُستقبِلاً، قدْ هيَّأَ الأَجواءا | |
لِتَرى مِنَ الآيِ الكثِيرَ، وتَرتَقِي | |
صَوبَ السَّماءِ، وتَصعَدَ العَلياءا | |
يا لَيلةَ الإسراءِ، نَجمُكِ ساطِعُ | |
وَسطَ اللَّيالي يَشهَدُ الأَنباءا | |
ويرَى النَّبيَّ وقدْ سَرى في مَوكبٍ | |
نثَرَ النَّسيمَ وَعبَّقَ الفَيفاءا[2] | |
ويَرى جُموعَ الأَنبياءِ وقدْ أَتتْ | |
تَستَقبِلُ الفَجرَ المُشِعَّ بَهاءا | |
والمَسجدُ الأقصَى بَدا مُتَزَيِّناً | |
بينَ المَساجدِ.. عَطَّرَ الأنحاءا | |
ويؤُمُّ جَمْعَ الأنبِياءِ مُحمَّدٌ | |
أكرِمْ بإسمٍ زيَّنَ الأَسماءا | |
هذِي جُموعُ الأنبِياءِ تقدَّمَتْ | |
تُعطِي مُبايَعةً لهُ وَولاءا | |
حدِّثْ – بُراقُ – عنِ المَشاهدِ والرُّؤَى | |
وعَنِ العُروجِ وَلَيلةٍ سَرَّاءا | |
جِبريلُ يَعرُجُ بالنَّبيِّ إلى العُلا | |
وَيجُوبُ آفاقاً بهِ وفَضاءا | |
ويَجُولُ في طُولِ السَّماءِ وعَرضِها | |
ويُجاوزُ الأفْلاكَ والأَنواءا[3] | |
ويُرِيهِ آياتٍ بها عِبَرٌ لِمَنْ | |
تَخِذَ المَعاصِيَ سُلَّماً وأَساءا | |
ويُقابلُ الرُّسُلَ الكِرامَ مُحيِّياً | |
يَتبادَلُونَ تحِيَّةً وَثناءَا | |
في أوَّلِ السَّمَواتِ قابَلَ آدَماً | |
ثُمَّ ارتَقى حَيثُ المَسِيحُ تَراءى | |
ثُمَّ ارتَقى حيثُ التَقى إدْرِيسَ، ثمَّ | |
بِيُوسُفٍ نورُ العَفافِ أضاءا | |
ثُمَّ التَقى هارُونَ، ثُمَّ معرِّجاً | |
نحْوَ الكَلِيمِ مَحَبةً وَوفاءَا | |
هذا خَلِيلُ اللهِ آخرُ ما التَقَى | |
ثُمَّ ارتقى لِيُعاينَ النَّعماءَا | |
فَرأى الجِنانَ وسِدرةً للمُنتَهى | |
وَالحُورُ تَبدُو، والنَّعِيمُ أفاءا | |
ودَنا النَّبِيُّ، فكانَ أقرَبَ مَنزِلاً | |
مِن ربِّهِ، أَوحَى لهُ إيحاءا | |
أَبشرْ – رَسُولَ اللهَ – باليُسرِ الذي | |
مِن بَعدِ عُسرٍ يَبعثُ السَّرَّاءا | |
حدِّثْ – بُراقُ – وقُلْ لَنا عمَّا جَرى | |
في مكَّةٍ، وانقُلْ لنا الأَصداءا | |
بَطحاءُ مكةَ كلُّها في دَهشَةٍ | |
ممَّا جرَى.. تَستَغربُ الأنباءا | |
وتُكذِّبُ الخَبَرَ الذي هُوَ صادِقٌ | |
كالشَّمسِ في وَضَحِ النَّهارِ مُضاءا | |
هذا أبو جَهلِ اللَّعِينُ وقدْ بدَا | |
متجهِّماً يَستَنكِرُ الإسراءَا | |
لكِنَّهُ الصَّلَفُ الذي أَعماهُمُ | |
فكَسا القُلوبَ غِشاوةً وعَماءا | |
سِر – يا بُراقُ – فَنَبضُ سَيركَ لمْ يزَل | |
فِينا يُثيرُ تَساؤلاً ونِداءا | |
يا أُمَّةَ الإسلامِ، ما لَكِ تَرتَضِي | |
سُبُلَ الهوانِ وتَمتَطِي الأَهواءا؟! | |
والقُدسُ.. أينَ القُدسُ؟! يَبكي حَسرةً | |
وَيذُوقُ مِن بطشِ اليَهودِ عَناءا | |
أوَهكذا مَسرَى الرَّسولِ ملوَّثٌ | |
وَيظلُّ يصْرخُ شاكِياً مُستاءا؟! | |
يا رِحلةَ الإسراءِ، ذِكرُكِ ماثِلُ | |
فِينا علَى مرِّ الزَّمانِ ضِياءا | |
يَحدُو بنا هِمَماً، ويَبعَثُ عَزمةً | |
ويُثِيرُ فينا المَجدَ والعَلْياءا |