المقياس الصوتي النقدي للغات العرب المزهر للسيوطي أنموذجًا [الحلقة السادسة] د/ رجب فوزي إمام
مدرس أصول اللغة بكلية اللغة العربية بأسيوط - جامعة الأزهر
9 ـ الوتم :
قال السيوطي: «الوتم في لغة اليمن، تجعل السين تاء، كالنات: في الناس»([1]) .
يرى السيوطي أن هذه اللهجة من اللهجات المذمومة، وقد ذكر هذه اللهجة كثير من علماء اللغة القدامى، كالجاحظ ([2])، وابن دريد([3])، والجوهري([4])، وقد مثلوا لها بقول الراجز:
يا قاتل الله بني السعــلات
عمرو بن يربوع شرار النات
غير أعفاء ولا أكيـــات([5])
يريد : بالنات: الناس، وبأكيات: أكياس([6]) .
وقد قُرئ في قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )([7]): «قل أعوذ برب النات» ([8]).
ويعلل الدكتور إبراهيم أنيس لهذا التبادل بين السين والتاء بقوله: «المبرر الصوتي لانقلاب السين تاء هيّن واضح؛ لأنهما يكادان يكونان متماثلين في المخرج، كما أن كلا منهما صوت مهموس، ولم يبق إذًا إلا أن يلتقي طرف اللسان بأصول الثنايا العليا التقاءً محكمًا به ينحبس النفس، حتى إذا انفصلا انفصالًا مفاجئًا سمع ذلك الصوت الانفجاري الذي نسميه التاء، في حين أنه في حالة النطق بالسين نلحظ أن انحباس النفس لا يكون محكمًا، بل هناك فراغ ضيق بين طرف اللسان، وأصول الثنايا العليا؛ ليتسرب منه الهواء»([9]).
فما حدث في هذه اللهجة هو قلب صوت رخو إلى نظيره الشديد([10])، وهو ما عليه الدكتور رمضان عبد التواب([11]).
ويرى الدكتور عبد الغفار هلال أن «الإبدال هنا غير مستساغ؛ لأن مخرجي التاء والسين مختلفان، كما أن الصوتين مختلفان في الشدة، والرخاوة، والصفير» ([12]).
وعليه فإن سبب عدّ هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها هو قلة استعمالها وكذلك عدم الاقتصاد العضلي؛ حيث إن النطق بالصوت الرخو أخف من النطق بالصوت الشديد.
10 ـ الشنشنة :
قال السيوطي: «من ذلك الشنشنة في لغة اليمن، تجعل الكاف شينا مطلقًا، كلبيش اللهم لبيش، أي لبيك»([13]).
ذكر السيوطي أن الشنشنة: إبدال الكاف شينًا مطلقًا، وعلى ذلك فلا فرق بينها وبين الكشكشة سوى أن الشنشنة عامة في إبدال كل كاف شينًا، أما الكشكشة فإنها تختص بكاف الخطاب لمؤنثة، فالعلاقة بينهما هي العلاقة بين العموم والخصوص ، وعليه فلا يختلف التعليل الصوتي لسبب عدِّ هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها عن السبب الذي قيل في الكشكشة .
التعليق والاستنتاج:
انطلق السيوطي وعلماء اللغة القدامى في بحثهم لقضية الفصاحة من استقرائهم للغة العرب، التي حرص أبناؤها على انتقاء ألفاظها، وبنائها سليمة من التكلف والثقل، وكل ما يعيبها، ويخرجها من الغاية التي وجدت من أجلها، وهي التواصل بين أبنائها وقد توصلت الدراسة إلى ما يلي:-
- قام السيوطي بمحاولة حصر اللهجات المذمومة، وليس معنى المذمومة أنها رديئة على الإطلاق، بل هي انحراف نطقي عن اللغة الفصحى المشتركة، وقد نظر لها بعض العلماء من زاوية الجيد والأجود.
- بينت الدراسة أسباب وصف هذه اللهجات باللغات المذمومة، والذي يرجع إلى قلة استعمال هذه اللهجات، وعدم الاقتصاد العضلي ، والزمني فيها…، وإن كانت قلة الاستعمال هي السبب الأصيل في هذه الأسباب، وكما قال السيوطي عن مدار فصاحة اللفظ:« أن يكون على ألسنة الفصحاء الموثوق بعربيتهم أدور، واستعمالهم له أكثر»([14]) .
ولذلك توصي الدراسة بإطلاق مصطلح اللغات المرغوب عنها بديلًا عن اللغات المذمومة؛ وذلك لورود بعض القراءات القرآنية جارية على هذه اللهجات.
======================
([2]) ينظر: الحيوان للجاحظ 1/122 .
([3]) ينظر: جمهرة اللغة 2/842 (س ع ل).
([4]) ينظر: الصحاح 1/269 (ن و ت).
([5]) الأبيات من الرجز، وهي لعلباء بن أرقم في الكنز اللغوي في اللسن العربي ص 42، وجمهرة اللغة 2/842 (س ع ل)..
([6]) ينظر: جمهرة اللغة2/842(س ع ل). ، والخصائص 2/55 .
([8]) حكاها أبو عمرو أنها لغة قضاعة . ينظر : مختصر في شواذ القراءات ص 184، والبرهان في علوم القران 1/220 .
([9]) في اللهجات العربية ص 93 .
([10]) ينظر: المرجع السابق ص 93 .
([11]) ينظر: فصول في فقه العربية ص 152 .