حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

خصائص المفاهيم القرآنية وأنواعها بقلم د/ حسين البسومي

عضو هيئة التدريس بكلية الآداب - جامعة الوادي الجديد

أولا: مستويات الدلالة القرآنية:

إن رصد المفاهيم القرآنية يتطلب بدءا التفريق بين ثلاثة من المستويات تتألف منها الدلالة القرآنية، متدرجة من البساطة إلى التركيب، تبدأ بالدلالة السياقية، ثم الدلالة التركيبية، ثم الدلالة النصية؛ أما الدلالة السياقية فإنها تتشكل لكل كلمة قرآنية من خلال ثلاثة روافد أساسية، أولها هو الدلالة الوظيفية للكلمة بما يشمل دلالة أصواتها وبنيتها، وثانيها هو دلالتها المعجمية التي استقرت لها في الاستخدام اللغوي العام وسجلتها المعاجم اللغوية، وثالثها يتمثل في تأثير الكلمات المشتركة معها في السياق اللغوي وغير اللغوي، وتسهم في تعيين الدلالة المقصودة منها، فمِن كل تلك الروافد السابقة تتحدد الدلالة السياقية المقصودة من الكلمة القرآنية في سياقاتها([1]). أما الدلالة التركيبية فهي تلك المعاني التي تسمح مرونة النظام التركيبي للغة العربية بإضافتها إلى المعاني السياقية للكلمات، ويحصِّلها النظام التركيبي من خلال توظيف عناصر تركيبية متعددة من العوارض التركيبية التي تطرأ على بناء الجملة كالتقديم والتأخير، والحذف والذكر، والإظهار والإضمار… إلخ، وتعد الأدوات من أهم العناصر التي يوظفها النظام التركيبي لإثراء الدلالة التركيبية للجملة([2])، كإفادتها التأكيد، والنفي، والشك، والظن، والرجاء، والتمني، والاستثناء، والنداء..إلخ فكل هذه دلالات تركيبية تحملها الجملة القرآنية بفضل تلك الأدوات والعوارض التركيبية التي تطرأ عليها، ومثال على ذلك ما يضيفه التقديم والتأخير من مفهوم الاختصاص والقصر في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ الفاتحة:5، أو معنى التأكيد الذي تضيفه الأداة “إنّ” في قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ الأحزاب: 56.

أما الدلالة النصية فيقصد بها الدلالة العامة التي تعبر عنها جمل النص القرآني مجتمعة، ولا تكتمل إلا باكتمالها، فكل جملة من جمل النص تمثل حلقة من حلقات تلك الدلالة العامة، كما هو الحال في النصوص القرآنية  التي تحكي قصة، أو تروي رواية، أو تفصّل الحديث عن شيء واحد، والقرآن الكريم يشتمل على العديد من تلك النصوص، مثال ذلك دلالة الآيات من الأولى حتى الآية الخامسة في سورة تبارك على قدرة الله([3]).

ثانيا: تفاعلية المستويات الدلالية القرآنية:

تتفاعل المستويات الثلاثة السابقة للدلالة القرآنية فيما بينها تفاعلا يجعل منها وحدة دلالية مترابطة متكاملة، قادرة على التعبير عن المعاني الجزئية والكلية للآيات القرآنية، فنجد أن المفاهيم السياقية التي تعبر عنها الكلمات القرآنية مترابطة فيما بينها بعلاقات دلالية تبين دور كل مفهوم في البناء الدلالي للجملة، وتكشف عن خصائصه وحدوده، وتجعل هذه العلاقاتُ الدلاليةُ من المفاهيم السياقية التي تتألف منها الجملة الواحدة وحدة مترابطة ذات معنى تام. والجملة لا تنبني كما اتضح سابقا من مفاهيم سياقية فحسب، وإنما يتفاعل معها عناصر تركيبية متنوعة، وهي إما أن تضيف إلى تلك المفاهيم السياقية مفاهيمَ تركيبية جديدة، أو تؤكد مفاهيم سياقية قائمة، أو تنفيها، أو تعطف عليها، أو تشكك فيها…إلخ، ومن خلال ذلك التفاعل تنبني دلالة الجملة، ثم تتكامل الجمل فيما بينها للتعبير عن الدلالة العامة للنص القرآني، وذلك كما هو واضح في النماذج الممثل بها في البحث([4]).

ثالثا: أنواع المفاهيم القرآنية:

تنشأ العلاقات الدلالية بين المفاهيم وفق أنواعها الدلالية، فمن العلاقات ما ينشأ بين مفهومين حدثيين كعلاقة المصاحبة، ومنها ما يقتضي حدثية أحد مفهوميها كعلاقة الفاعلية والمفعولية والآلية، ومنها ما يتطلب تماثل المفهومين في النوع كعلاقات الترادف، والتضاد، والكلية، والاشتمالية، وغير ذلك مما سيشار إليه عند الحديث عن العلاقات الدلالية([5]). وتتعدد أنواع المفاهيم القرآنية بتعدد دلالاتها وما تشير إليه في الواقع، ويمكن إجمال أنواعها الكثيرة في خمسة أنواع دلالية أسياسية هي:

الأول: الحدث، ويندرج تحته المفاهيم التي تشير إلى كل إجراء مرتبط بزمن، وتمثل هذه المفاهيم الأفعال بصيغها الزمنية المختلفة، مثل: كتبَ- يكتب- اكتب، كما تشتمل على المصادر التي تحتفظ بدلالتها الإجرائية غير المرتبطة بزمن، مثل المصدر: دَفْع، في السياق: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾  البقرة:  251.    

الثاني: اسم المعنى، ويندرج تحته الأسماء التي تشير إلى مدلولات غير مدركة بإحدى الحواس، ولم يعد يلحظ فيها معنى الإجراء، مثل: الروح، النفس.

الثالث: اسم الذات، ويندرج تحته المفاهيم التي تشير إلى كل ما يشغل حيزا من الفراغ، ويدرك بإحدى الحواس، مثل: الصواع، الإنسان.

الرابع: الصفة، ويندرج تحته المفاهيم التي تشير إلى صفة يوصف بها ذات أو معنى أو مكان أو زمان، وهذه الصفة إما أن تكون دالة على الفاعلية، وهي التي تدل على اتصاف الفاعل من جهة قيامه بها، وهي تشمل الأنواع الصرفية التالية: اسم الفاعل، الصفة المشبهة باسم الفاعل، صيغ مبالغة اسم الفاعل، أفعل التفضيل، مثل: الغفور، القاهر، أو أن تكون دالة على المفعولية، وهي التي تشير إلى الصفات التي تدل على اتصاف المفعول بها من جهة وقوعها عليه، وهي تشمل الأنواع الصرفية التالية: اسم المفعول، صيغ مبالغة اسم المفعول، مثل: مخذول- مأتيا.

الخامس: اسما الزمان والمكان، ويشيران إلى الأسماء الدالة على الزمان أو المكان، مثل: المسجد، ، والعشي.

===================

[1]– علم الدلالة، د.أحمد مختار عمر، عالم الكتب، الطبعة الثامنة، 1998م، ص 36، وانظر: الغموض في الدلالة، أنماطه وعوامله ووسائل التخلص منه في اللغة العربية المعاصرة د. محمد أحمد حماد، رسالة دكتوراه مخطوطة بمكتبة كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 1986م، ص 16-20.

[2]– الراجح لدى البحث أن الأدوات ذات طابع رمزي، حيث تنوب عن وحدات معجمية كاملة الدلالة، ونظرا لكثرة دورانها في الكلام فقد اختزلها النظام التركيبي ورمز لها بتلك الأدوات، ومما يستأنس به إشارة النحاة إلى أصل دلالة تلك الأدوات، كإشارتهم إلى أن دلالة أدوات الاستفهام هو “أستفهم”، وأصل دلالة أدوات النداء هو “أنادي”، وأصل دلالة أدوات التأكيد هو “أؤكد” وهكذا.

([3] ) انظر  مطلب نماذج تطبيقية ص24 من البحث.

([4] ) انظر مطلب العلاقات الدلالية من البحث، ص 13

([5] ) السابق، ص 13.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu