حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

كيف نقارن بين بنيتين نحويتين؟ بقلم أ.د/ عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية الأزهرية للطلاب الوافدين لشئون الدراسات العليا- جامعة الأزهر

تابع/ من الإجراءات التفصيلية للتحليل التقابلي

ثانيًا- كيف نقارن بين بنيتين نحويتين؟ ([1])

كما أن لكل لغة نظامًا صوتيًّا يختلف عنه في لغات أخرى – وقد يتفق معه في بعض مواضعه، والسبب في المشتركات الصوتية بين اللغتين كونهما ينتميان إلى اللغة الإنسانية بغض النظر عن تكلم قوم معينين بها، وهذا هو سر الاختلافات المتعددة أيضًا- فإن لكل لغة نظامًا نحويًّا يختلف عنه في لغاتٍ أخرى وقد يتفق مع أحدها أيضًا.

وبداية لابد أن نركز على أن هناك فرقا بين البنية النحوية والقواعد النحوية، لأن هذا التفريق مدخل مهم لبيان: ماذا يهمنا في مجال تعليم اللغة للناطقين بغيرها من الجانب النحوي وما لا يهمنا؟ أو بمعنى آخر ما يدخل ضمن اهتمام مجال تعليم اللغات الأجنبية من المستوى النحوي وما لا يدخل؟

ما يهمنا في هذا المجال هو البنية النحوية لا القواعد النحوية ذلك أن القواعد تتضمن أحيانا تعريفات تقليدية لعناصر الكلام، وتتمثل المشكلات الناشئة من هذا النوع من النحو في مطالبة الدارس بتعريف الاسم والفاعل والمفعول به وإعراب الكلمات في الجمل المختلفة، وبما أن كثيرا من متحدثي اللغة الأصليين أنفسهم غير قادرين على تعريف المصطلحات النحوية أو التعرف عليها وغير ملمين كذلك بالعناصر النحوية للغتهم فلا يجوز إذن اعتبار هذا النوع من المشكلات ضمن مهام تعلم اللغة الأجنبية.

وتعبر البنية النحوية عن الوسائل الصياغية المنظمة التي تستعملها اللغة للتعبير عن معان وعلاقات خاصة، ففي اللغة العربية هناك فرق كبير بين تركيبي (زار محمدٌ المديرَ) و (زار المديرُ محمد) من حيث الدلالة على الفاعلية والمفعولية من خلال علامات الإعراب لا موقعية الكلمات داخل الجمل، فالجملة مهما تحركت مكوناتها صحيحة، ويتأتى اختلاف المعنى فيها من اختلاف حركات الإعراب.

إن كل ذلك لابد أن يدركه الدارس خصوصا إذا اختلفت العربية على سبيل المثال كونها لغة تحليلية- يمكن تحريك عناصر الجملة بحرية لدلالة العلامات الإعرابية على المعنى- عن لغته الأم، فمن اللغات ما لا يسمح بمثل هذا الحركة في موقعية الكلمة النحوية وإنما لها مكان معين لا تتعداه، وتمثل ذلك النظامَ اللغاتُ العازلة ومنها: اللغة الصينية.

وقد يغير موقع الكلمة في اللغة العربية مثلا من معناها ووظيفتها النحوية، فكلمة (كريم) مثلا في قولنا: (كريمٌ طالبٌ) مبتدأ؛ لدلالتها على اسم شخص، بينما تعتبر الكلمة ذاتها صفة في قولنا: (طالبٌ كريمٌ)، والعامل الذي أدى إلى هذا التغيير في الدلالة والوظيفة النحوية كما هو واضح عامل الموقع ونظم الكلام.

وتعتبر السوابق واللواحق من الوسائل المعينة على فهم المعنى، فنجد اللغة الإنجليزية مثلا تستعمل النهاية (s) للإشارة إلى الجمع في مثل book- books و (d) للإشارة إلى حالة المضي في الأفعال كما في مثل jump- jumped  ونجد في اللغة العربية اللواحق (نا) و(ت) و(تم) في: كتبنا، وكتبت، وكتبتم، تدل على إسناد الفعل للمتكلمين مقابل إسناده للمتكلم المفرد مقابل جماعة المخاطبين.

ومن الوسائل اللفظية المعينة على فهم المعاني أيضا المطابقة، فنلاحظ في قولنا في العربية: (هذا كتابُ المعلمِ الجديدِ) بجر (الجديد)، و(هذا كتابُ المعلمِ الجديدُ) برفع (الجديد)، فالمطابقة بين كلمتي (المعلم) و(الجديد) في المثال الأول يتبين منها أن (الجديد) صفة (للمعلم)، بينما توضح المطابقة في الرفع بين (كتاب) و (الجديد) في المثال الثاني أن (الجديد) صفة (للكتاب).

وعدم اعتبار مثل هذه المطابقة من الأخطاء الشائعة لدى متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها، فقد ذكرتها بعض الدراسات من ضمن الصعوبات التي يجدها متعلم اللغة العربية من الناطقين بغيرها، كصعوبة المطابقة (النعت لمنعوته) و (الفاعل مع فعله)، و(المشار مع المشار إليه)، و(الموصول مع صلته والعائد عليه)، والمطابقة تشمل المطابقة في التعريف والتنكير، والعدد.

ومن تلك الصعوبات أيضا التذكير والتأنيث، فهناك لغات يختلف نظام التأنيث فيها عن وضعه في اللغة العربية، فاللغة الملايوية مثلا لا تعرف تأنيث اللفظة مع الفاعل المؤنث، أضف إلى ذلك صعوبة المؤنث المجازي في اللغة العربية، فالطالب الملايوي لا يعرف التأنيث فضلا عن أن يعرف التأنيث المجازي كالشمس والعين والكتف والبئر واليد، وغيرها. ([2])

بينما يوجد نظام متكامل للجنس في اللغة الإسبانية، يشمل ثلاثة أنواع: المذكر، والمؤنث، والمحايد. كما يظهر لنا من الضمائر : ello, ella, el، قارن: el hombre (الرجل)، la mujer (المرأة)، lo bueno (الشيء الصالح).

ومثل هذا يقال في نظام العدد واختلافه بين اللغات في التعبير عن المفرد والمثنى والجمع، فمما لا يخفي أن بعض اللغات فيها وسائل صرفية معبرة عن هذه الاختلافات كاللغة العربية، بينما يختلف نظامها عن الإنجليزية على سبيل المثال التي ليس فيها صيغة صرفية دالة على المثنى.

كما يدخل تحت الاختلافات النحوية بين اللغات أيضا توزيع البنية داخل اللغة، فعلامة الجمع في الإنجليزية على سبيل المثال بإضافة (s) قد ترد في مواضع معينة داخل الجمل ولا ترد في غيرها، فهذه العلامة تلحق الأسماء الموصوفة، في مثل: telephones ولكنها لا تلحق صفات تلك الأسماء، مثل:   books good .

ومثل هذا يقال في اللغة العربية التي تلحق الكلمات المثناة فيها الألف والنون (رفعا) أو الياء والنون (نصبا وجرا)، لكنّ ذلك لا ينطبق على الحالات كلها، فمثلا تحذف تلك النون عند الإضافة في مثل قولنا: بابان/ بابا الفصل.

أيضا ((النعت يسبق المنعوت في الإنجليزية ويتأخر عنه في العربية، واسم الموصول يمكن أن يأتي بعده اسم نكره في الإنجليزية، ولا يجوز ذلك في العربية..))([3]) ومن ثم نتوقع مثل هذا التركيب: (رأيت طالبا الذي ينجح) من الإنجليزي الذي يتعلم العربية؛ تأثرا بنظام البنية النحوية في لغته ومحاولة استدعائها عند النطق بالجمل العربية.

إن الأنماط النحوية المعقدة في اللغة يستخدمها المتكلم بها بيسر وسهولة دون إدراك هذا التعقيد، والسبب في ذلك كما قلنا في الجانب الصوتي هو العادة، إذ يستحيل على المتكلم أن يفكر أثناء كلامه (ولو عند نطقة بجملة واحدة) في كل التغيرات والإضافات والقيود الممكنة في الكلام.

وحقيقة الأمر أن متكلم اللغة قد اختصر عمليا منذ الطفولة المبكرة نظامه النحوي وحوله إلى عادة، وهو لذلك يركز انتباهه أثناء الكلام على تيار أفكاره وعلى رد الفعل من جانب السامعين أما تركيزه على الملامح النحوية فهو ضئيل جدا.

وكما ينقل الدارس نظام لغته الصوتي بطريقة إيجابية أو سلبية كما ذكرنا من قبل فإنه يميل إلى نقل البنية النحوية لغته الأصلية إلى اللغة المتعلمة، فينقل الصيغ الإعرابية للجمل، ووسائل التحديد والوصف وأنماط العدد والجنس بطريقة لا شعورية قد لا ينتبه الدارس نفسه إليها.

وبناء على ذلك فتعلم الأبنية المتشابهة يصبح سهلا؛ أنها تنقل نقلا وقد تؤدي وظائفها في اللغة الأجنبية، أما تعلم الأبنية المختلفة عن أبنية اللغة الأصلية فيصبح صعبا؛ لأن الأبنية المنقولة في هذه الحالة لن تؤدي وظائف الأبنية المقصودة في اللغة المُتعلَّمة.

 ومن الأبنية المتشابهة بين العربية والإنجليزية – على سبيل المثال- بعض الكلمات الوظيفية كأدوات الاستفهام who في مقابل (مَن)، و(where)  في مقابل (أين)، و(when) في مقابل (متى) وهكذا.

والآن سنقف عند إجراءات المقارنة بين بنيتين نحويتين:

نبدأ أولا بتحليل بنيات اللغة الأجنبية، ثم نقارنها ببنيات اللغة الأصلية، ويلزمنا أن نعرف ما إذا كان في اللغة الأصلية بنية (يعبر عنها بنفس الطريقة، أي بنفس الوسيلة الصياغية- لها نفس المعنى- لها نفس التوزيع في نظام اللغة الأخرى) أو لا.

إن وصف النظام البنيوي بين لغتين معينتين يقتضي وصفا للصيغ والمعاني وتوزيع الأبنية، وإذا لم يتوافر بين أيدنا هذا الوصف أو توافر بشكل غير مناسب فعلينا أن نحاول وصف النمط المقصود بدقة قبل البدء في الخطوة التالية.

الخطوة التالية هي:

تقديم ملخص موجز لكل الأبنية، كوصف أنواع الجمل: الاستفهامية والمثبتة والمنفية وجمل الرجاء والنداء.. إلخ، وفي الاستفهام مثلا نتطرق إلى أنماطه المتعددة كالاستفهام بالأفعال، وبالكلمات..إلخ ويجب التركيز كما قلنا على الكلمات الوظيفية لتشابهها بين كثير من اللغات، مع مراعاة ما بينها من فروق.

الخطوة التالية: المقارنة الفعلية لأنماط البنية بين اللغتين، مع التنبؤ بالمشكلات التي تظهرها هذه المقارنة.

نموذج:

إذا قارنا بين الإنجليزية والعربية نجد أن نمط الاستفهام في المثال العربي (هل هو فلاح؟) يناظر الاستفهام is he a farmer? في الإنجليزية، الذي يؤدى بتنغيم مرتفع هابط على التوالي، فالوسائل الصياغية التي تستعملها العربية تتكون من:

  • الصيغة (أداة الاستفهام هل).
  • النغمة المتوسطة- المرتفعة والمنتهية بوقفة صاعدة.

وتوضح المقارنة بين الملامح الصياغية في اللغتين ما يلي:

  • لا يلزم في اللغة العربية وجود فعل الكينونة بينما يلزم وجود ذلك الفعل في اللغة الإنجليزية.
  • لا يوجد اختلاف في ترتيب كلمات الجملة الخبرية والاستفهام في اللغة العربية، بينما تتطلب الإنجليزية تغييرا في ترتيب الكلمات.
  • يلزم في العربية وجود إشارة نغمية مخالفة لتمييز الجملة الاستفهامية من الخبرية ولا تتطلب الإنجليزية ذلك.

إذا نستطيع أن نحصي المشكلات المتعلقة بالصياغة بالنسبة لمتحدث العربية الذي يدرس اللغة الإنجليزية فيما يأتي:

أولا– استعمال فعل الكينونة قبل المسند إليه إشارة إلى السؤال، فقد لا يضع is

ثانيا– تقديم المسند إليه على الفعل.

ثالثا– استعمال تنغيم مرتفع منخفض بدلا من التنغيم المتوسط -المرتفع -الصاعد في آخر الجملة.

أما بالنسبة لمتحدث الإنجليزية الذي يدرس العربية فمشكلاته تتمثل في:

أولا– تذكر استعمال أداة الاستفهام.

ثانيا– تذكر استعمال نمط التنغيم ( متوسط – مرتفع – صاعد) للاستفهام في اللغة العربية.

أما في مجال المعاني فلا توضح المقارنة اختلافات كبيرة، حيث إن كلتا اللغتين تستجيبان لهذا النمط الاستفهامي بـ (نعم/ لا)، ومن ثم لا نتوقع مشكلات في هذا المجال.

أما في مجال توزيع الأبنية فنلاحظ أن النمط موضوع المناقشة يقتصر في الإنجليزية على أفعال الكينونة، وقد يشمل الفعل have أيضا. أما مع الأفعال الأخرى فيكون الاستفهام باستعمال الفعل (do)  السابق مباشرة للفاعل هذا في حين أن النمط المذكور يشمل جميع الحالات الاستفهامية في اللغة العربية ولا يقتصر على نوع معين من الجمل.

فمشكلة الناطق بالعربية لا تقف إذن عند تعلم أشكال (صيغ) الأنماط التي سبق ذكرها فحسب بل تمتد إلى جانب آخر، وهو اقتصار النمط المستعمل في الإنجليزية على فعل الكينونة وأحيانا الفعل have دون سواهما من أفعال.

ويمكن وصف هذه المشكلة بأنها تشابه حالة يؤدي فيها نمط واحد في اللغة الأصلية وظيفة نمطين في اللغة الأجنبية والمشكلة بالنسبة لمتحدث الإنجليزية عند دراسته اللغة العربية أيسر من مشكلة المتحدث بالعربية الذي يدرس الإنجليزية حيث إن الأول ينتقل من استعمال نمطين إلى استعمال نمط واحد.

لا شك أن قائمة المشكلات التي نتوصل إليها بالمقارنة بين النظامين مهمة لأغراض التعليم والاختبارات والبحوث ولكن هذه القائمة يجب أن تظل بالنسبة لنا قائمة افتراضية حتى يتم اختبار صحتها والتأكد منها في ضوء الكلام الفعلي للدارسين.

وقد يتضح من هذا الاختبار أننا أغفلنا مشكلات مهمة ولم نعالجها بصورة وافية. ويلزم في مثل هذا التوثيق أن ندرك أن مشكلات اللغة لا تنطبق بصورة واحدة على كل المتكلمين، فالاختبارات اللهجية والفروق الفردية تنفي مثل هذا الاحتمال.

=========================

[1])) نُقل هذا الجزء من مقال مترجم لروبرت لادو ، ضمن كتاب التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء (33 وما بعدها بتصرف) تعريب وتحرير د. محمود صيني، وإسحاق الأمين. عمدتُ إلى التصرف في النص لأن هناك من المسائل ما ينطبق على اللغة الإنجليزية لغة المقال الأصلية ولا تنطبق على اللغة العربية، من مثل حديثه في 34 عن عدم وجود قوانين مطلقة للصحة وأن علينا تقبل خطأ الدارس غير الناطق باللغة إذا أخطأ فيما خالف القواعد القديمة ووافق الاستعمال الحالي لها على يد المتكلمين بها، ومعيار الاستعمال الآني في اللغة العربية على سبيل المثال ليس من سبل الاحتجاج أو اعتبار الصحة، بخلاف لغات أخرى ينظرون إلى اللغة على أنها المستعمل لا ما ينبغي أن يكون مستعملا.

[2])) ينظر: تحليل الأخطاء في تعليم اللغات الأجنبية 43

[3])) علم اللغة التطبيقي وتعليم اللغات (48)

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu