حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الأصوات المفخمة ودلالتها على قوة المعنى.. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق

لقد وردت كلمات في القرآن الكريم تحوى صوتاً واحداً من أصوات التفخيم، ومع ذلك تلمح فيها قوة المعنى، فالظلم كلمة حوت صوت الظاء، وقد وردت في القرآن كثيراً منها قوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ )[1]، وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحَدَ[2]، وأعظم الظلم الشرك، لقوله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[3]. والخَتْمُ: الطبع على القلب، وهو أن لا يفهم شيئا، ولا يخرج منه شيء كأنه طبع[4]، وقال الزجاج: “وهو التغطية على الشيء والاستيثاق من أن لا يدخله شيء”[5].

ومنه قوله تعالى: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )[6]، فالكلمة حوت صوتاً واحداً مفخماً، ومع ذلك تلمح فيها قوة المعنى … وهكذا، كلمات مثل القارعة، والناقور، والغَمِّ، والصبر وغيرها من الكلمات، لكن قوة المعنى تتحقق وبشكل كبير في الكلمة التي تجمع صوتين أو أكثر من أصوات التفخيم، وتأمل ما يمكن أن توحي به كلمات الغضب، والشّطط، والقاصف، والطاغية، والقمطرير، والغيظ، والصاعقة، ناهيك عن كلمات جمعت المتماثلين فجعلتهما صوتاً واحداً مشدداً، وذلك مثل الطّامة والحاقة، وشَاقُّوا الله، أو جاءت بهما على طريقة الفك مثل اغضض، واقصص، ويشاقق … الخ

بل هناك من الكلمات التي جمعت بين ثلاثة أصوات مفخمة مثل صاخّة ويصطرخون، ” فالقارعة وصف من القرع، وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت”[7]، والناقور: البوق الكبير الذي ينادى به الجيش، ويسمى الصور، وهو قرن كبير”[8]، والغَمُّ: الكرب[9]. والصبر: شدة إمساك النفس على المكروه، وتلمح فيها جميعا قوة المعنى. أما الغضب، فقد جمع بين صوتي الغين والضاد وهما من أصوات التفخيم، ومعناه – كما يقول الراغب: “ثوران دم القلب وإرادة الانتقام”[10]، والشّطط: الإفراط في الظلم، والإبعاد فيه”[11]، والقاصف من الريح، أي الريح التي لها قصف، وهو الصوت الشديد، كأنها تتقصف، أي تتكسّر، أو هي التي لا تمر بشيء إلا قصفته[12]، وقد جمعت الكلمة بين صوتي القاف والصاد وبينهما الألف المفخمة أيضاً، ومنه الطاغية، وهو تجاوز الحد في كل شيء، وسُمّي به الطوفان في قوله تعالى: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ )[13]، والكلمة جمعت بين صوتي الطاء والغين وبينهما الألف المفخمة أيضاً.

والقمطير: الشديد، وأصله كما قال الزجاج مشتق من اقمطرّت الناقة، إذا رفعت ذنبها، وجمعت قطريها وزمّت بأنفها”[14]، وفي الكلمة صوتا القاف والطاء، فضلاً عن الزيادة في اللفظ المؤذنة بزيادة المعنى. والغيظ: أشد غضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه[15]. والصاعقة: الهَُدَّّة الكبيرة، وتطلق على الموت، كقوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ )[16]، والعذاب مثل قوله تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ )[17]، والنار كقوله تعالى: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ)[18]، وأصلها الصوت الشديد من الجو[19].

أما المتماثلان المدغمان فهناك الطََّامَّة: وهي الداهية التي تطمُّ على غيرها من الدواهي لعظمها[20]، والحاقّة: المراد بها القيامة والبعث، لأنها حقت لكل واحد عمله[21]، ولأن القيامة والبعث من الأشياء التي تروع الإنسان وتفزعه، فقد اختار لها المتماثلين المفخمين، وهكذا.

لكنك تجد ذلك واضحاً جلياً حينما تتزاحم الأصوات المفخمة داخل الكلمة، فتراها أكثر دلالة على المعاني القوية، خذ من ذلك مثلاً الصّاخّة: ومعناها: الصيحة التي تصخ الآذان، أي تصمها، لشدة وقعتها[22]، أو هي التي تورث الصمم، وإنها لمُسمِعة[23]، وكلمة “يصطرخون” وما جمعته من الأصوات المفخمة مؤذنة بتصوير أحوال هؤلاء المعذبين، وما هم فيه من شدة الألم، فزاد عويلهم عن الصراخ إلى الاصطراخ، فتناسبت الأصوات المفخمة القوية مع المقام الذي يعيشه هؤلاء، ومنه: (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ )[24] فقد جمعت الكلمة بين ثلاثة أصوات مفخمة، ومعناها شدة فور الماء في جيشانه وانفجاره من ينبوعه، قال أبو علي: ما كان من سفل إلى عُلُوٍّ فهو نضخ[25]، وتنبه ابن جني لقوة الخاء في اللفظ فقال: “فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف والخاء لغلظها لما هو أقوى منه”[26]. وهكذا لا تعدم الإشارة على قوة اللفظ الذي يجمع صوتين أو أكثر من أصوات التفخيم لقوة معناه عند كثير من العلماء، وهو مطرد في ألفاظ القرآن الكريم.

==========================

[1] النساء آية 160

[2] اللسان “ظلم”

[3] لقمان آية 13

[4] اللسان “ختم”

[5] السابق “ختم”

[6] البقرة آية 7

[7] التحرير والتنوير 30/510

[8] التحرير والتنوير 29/300

[9] اللسان “غمم”

[10] المفردات ص 363

[11] الكشاف 3/53

[12] السابق 3/23

[13] الحاقة آية 5 وانظر المفردات 307

[14] الدر المصون 10/602  

[15] المفردات ص 371

[16] الزمر آية 68

[17] فصلت آية 13

[18] الرعد آية 13

[19] المفردات ص 284 ، 285

[20] الدر المصون 10/681

[21] البحر 10/254

[22] الدر المصون 10/695

[23] البحر10/410

[24] الرحمن آية 66

[25] اللسان “ينضخ”

[26] الخصائص 2/160

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu