حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي [الحلقة الثامنة].. بقلم أ.د/ فاطمة رجب

أستاذة أصول اللغة ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة

الإتباع

الإتباع لغة : ذكر ابن فارس أن : “التَّاءُ وَالْبَاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ لَا يَشِذُّ عَنْهُ مِنَ الْبَابِ شَيْءٌ، وَهُوَ التُّلُوُّ وَالْقَفْوُ. يُقَالُ تَبِعْتُ فُلَانًا إِذَا تَلَوْتَهُ وَاتَّبَعْتَهُ. وَأَتْبَعْتُهُ إِذَا لَحِقْتُهُ. وَالْأَصْلُ وَاحِدٌ”[1]

  واصطلاحا :” هو أن تتبع الكلمة الكلمة  على وزنها ، أو رويها ؛ إشباعاً وتوكيداً”[2]

   وفي إطلاق ابن فارس الإتباع : بأن تتبع الكلمة الكلمة على وزنها أو رويها توسعة للإتباع عما قيده السبكي بقوله : ” فالتابع من شرطه أن يكون على زنة المتبوع “[3] وذلك لأن الأمثلة الواردة في الإتباع بعضها يأتي على وزن واحد ، وبعضها يأتي على روي واحد.”فإذا كان اتحاد الروي غير لازم ، واتحاد الوزن غير محتم ، فإن الإتباع لا يخلو منهما “[4]

فمن التزام الوزن فقط في أمثلة الدعاء :”جُوعاً وجُوداً وجُوساً”[5]

ومن التزام الروي فقط : ” رغْما دَغْماً شِنَّغْماً، كل ذلك إتباع”[6] 

ومن التزامهما معا : “ما لَهُ سَهِر وعَبِر”[7]

أنواع الإتباع :

   نص أبو على القالي على أن الإتباع يأتي على ضربين :

 ” فضرب يكون فيه الثاني بمعنى الأول  فيؤتى به تأكيداً ؛ لأن لفظه مخالف للفظ الأول، وضرب فيه معنى الثاني غيرمعنى الأول”[8] .

    وزاد الرضي ضربا ثالثا : وهو” أولا يكون له معنى أصلا، بل ضم إلى الأول لتزيين الكلام لفظا وتقويته معنى، وإن لم يكن له في حال الأفراد معنى “[9]

فائدته :

 سُئل ابن فارس عن الإتباع، فقال :  “هو شيء نتد به كلامنا “[10]

الإتباع في أساليب الدعاء :

ـ فمن النوع الأول : الذي يكون فيه الثاني بمعنى الأول  فيؤتى به تأكيداً.

ـ جُوعاً وجُوداً وجُوساً

” يُقالُ في الدُّعاءِ على الرَّجُلِ: جُوعاً وجُوداً وجُوساً، فالجودُ هُوَ الجوعُ بِعَينهِ، وقولهم (جوساً) إِتباعٌ. هذا قَولٌ؛ وقد قيلَ: الجُوسُ الجوعُ أيضاً”[11]

ـ جوعا ونوعا

 ورد في المحكم : ” وفي الدعاء: جُوعا له ونُوعا، ولا يقدم الآخر قبل الأول لأنه تأكيد له ” .

والنائع إتباع معناه : ” مُتَمايِلٌ جُوعاً … ومنه الدُّعاءُ عليه : جُوعاً ونُوعاً .

ـ العطش والنطش

“ما له ألزق الله به العطش والنَّطش”[12]

2ـ ومن النوع الثاني الذي يكون فيه الثاني غير معنى الأول :

ـ ثل وغل

” يُقالُ: مالَهُ ثُلَّ وَغُلَّ! إِذا دُعِيَ عَلَيهِ بالهَلاكِ، فَقَولُهُمْ: ثُلَّ مِنَ الثَلَلِ وهُوَ الهَلاكُ، وَغُلَّ مِنَ الغُلْةِ، وهُوَ العَطَشُ”[13]

ـ رغْما دَغْماً شِنَّغْماً

ـ” أرغمه الله : أسخطه، وأدغمه : سود وجهه. وفي الدعاء: رغْما دَغْماً شِنَّغْماً، كل ذلك إتباع”[14]

ـ سهر وعبر

ـ ورد في المحكم :”عبر عبرا واستعبر جرت عبرته وحزن ، ومن دعاء العرب على الإنسان ، ما له سهر وعبر “[15].

ـ شفرا ولا ظفرا

لا ترك الله له شفراً ولا ظفراً، أي عيناً ولا يداً[16].

ـ عقرى حلقى

ومنه : “عَقْرَى حلقى: معناه: عَقَرَها الله وحلقها، أي حلق شعرها، أو أصابها بوجع في حلقها”[17]

ـ هوتة موتة

الهَوْتَة: ما انخفض من الأرض واطمأن وفي الدعاء: صب الله عليه هَوْتَةً ومَوْتَةً، ولا أدري ما هَوْتَهٌ هنا.”[18]

وورد في المحيط : “ والهوتة من الأرض المهواة . والمهاتاة من قولك :هات ، وهو من: هاتى يهاتي هيتاً ومهاتاة . تيه وتوه “[19]

فلعل المعنى هنا دعاء بالتيه والموت . فعلى قول ابن سيدة ،قد يكون هذا المثال من النوع الأول ، غير أني أرجح أنه من النوع الثاني لما ذكره ابن عباد ، ولتوافق معنى (التِيه) مع الغرض من الدعاء .  

3ـ ومن النوع الثالث : الذي لا يكون للثاني فيه معنى أصلا :

ـ بارك ، تارك ، دارك :

  لا بارَكَ اللّهُ فيه، ولا تارَكَ، ولا دارَكَ: إتْباعٌ.[20]

ـ حتا فتا

” والحَتَّ: دون النَّحتْ. وفي الدُّعاء تركه الله حَتًّا فَتًّا لا يملأ كَفًّا: أي محتوتا أو مُنْحَتَّا”[21]

ـ عيا وشيا

يقول ابن سيدة “وقالوا في الدعاء : عيَّاً له وشِياً وعِيٌّ له وشِيٌّ وما أَعْياه وأَشْياه الآخرة توكيد للأولى “[22]

تعقيب:

تبين من خلال أمثلة الأساليب  التي ذُكرت في الإتباع ، أنها مثلت ظاهرة الإتباع شكلا وموضوعا ؛ فوردت أساليب على إتباع الكلمة الكلمة في  وزنها  ، ووردت أساليب على إتباع الكلمة الكلمة في رويها . وكذلك تحققت أنواع الإتباع الثلاثة في الأمثلة المذكورة ؛ مما يدلل على أن أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان صورة نموذجية للظواهر اللغوية التي اختصت بها العربية .

===================

[1] ـ مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا تح /عبد السلام محمد هارون ( ت ب ع )

{ دار الفكر .ط .1399هـ – 1979م.}

[2] ـ الصاحبي ص 458

[3] ـ المزهر ج 1 ص 416 وقارن بـ  دراسات لغوية د/ حسين نصار ص 53 { دار الرائد العربي. بيروت . لبنان 1401هـ ـ 1981م }

[4] ـ دراسات لغوية ص 53

[5] ـ الإتباع لأبي الطيب اللغوي (ت 351هـ) تح/ عز الدين التنوخي ص 35 { مجمع اللغة العربية، دمشق1380هـ – 1961م }

[6] ـ المحكم( د غ م ) والقاموس ( ر غ م )

[7] ـ الإتباع والمزاوجة لابن فارس تح/ كمال مصطفى ص 46 { مكتبة الخانجي بالقاهرة ( د.ت )}

[8] ـ الإتباع لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي(ت 356هـ) تح / كمال مصطفى ص 71 { مكتبة الخانجي . القاهرة }

[9] ـ شرح الرضي على الكافية ج 2 ص 367

[10] ـ الصاحبي ص 458

[11] ـ الإتباع لأبي الطيب اللغوي ص 35

[12] ـ ذيل الأمالي 68

[13] ـ الإتباع لأبي الطيب اللغوي ص 69

[14] ـ المحكم( د غ م ) والقاموس ( ر غ م )

[15] ـ المحكم ( ع ب ر )

[16] ـ البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي (ت 400هـ) تح د/ وداد القاضي ج 1 ص 48{ دار صادر – بيروت . ط .الأولى، 1408 هـ – 1988 م }

[17] ـ المحكم والمحيط الأعظم ( ع ق ر )

[18] ـ المحكم والمحيط الأعظم ( هـ و ت )

[19] ـ المحيط في اللغة للصاحب الكافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل ابن عباد ( هـ و ت )   { تح : الشيخ محمد حسن آل ياسين عالم الكتب – بيروت / لبنان – ط .الأولى 1414هـ -1994 م }

[20] ـ القاموس ( ت ر ك )

[21] ـ المحكم والمحيط الأعظم ( ح ت ت )

[22] ـ المخصص ج 1  ص 262

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu