أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي [الحلقة الثالثة عشرة].. بقلم أ.د/ فاطمة رجب
أستاذة أصول اللغة ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة
الدعاء بالمرض
عُرف العربي بالفصاحة والبيان ،وقوة القلب ، وكان يفخر بهما دائما حتى ” قيل إن سعد بن ضمرة الأسدي لم يزل يغير على النعمان بن المنذر يستلب أمواله حتى عيل صبره فبعث إليه يقول : إن لك عندي ألف ناقة على أنك تدخل في طاعتي ، فوفد عليه وكان صغير الجثة اقتحمته عينه وتنقَّصه ، فقال : مهلا أيها الملك إن الرجال ليسوا بعظم أجسامهم وإنما المرء بأصغريه : قلبه ولسانه ، إن نطق نطق ببيان وإن صال صال بجنان”[1]
ولما كان من عادات العرب ” الأنفة ، والتفاخر بالأحساب والأنساب ،والمحافظة على شرفهم ، وعلو مجدهم وسؤددهم … وكل ذلك من مقاصد الخطب والوصايا، فكانوا أحوج إليها بعد الشعر لتخليد مآثرهم ، وتأييد مفاخرهم ، وهم أقوم الناس قيلا،، وأقواهم قبيلا ، وأفصحهم لسانا وأوضحهم بيانا …ولذلك كثر فيهم الخطب والخطباء حتى كان لكل قبيلة من قبائلهم خطيب ، كما كان لكل قبيلة شاعر …ولهم خطب يضيق عنها نطاق الحصر “[2]
وكان العرب يستحسنون “في الخطيب أن يكون جهير الصوت ؛ ولذلك مدحوا سعة الفم ،وذموا صغره ، حتى قيل لأعرابي : ما الجمال ؟ قال :طول القامة ، وضخم الهامة ، ورحب الشدق ، وبعد الصوت “[3]
ويأتي دعاء العرب على الإنسان بمرض يصيبه في جوفه أو حلقومه لأكبر دليل على قيمة الفم الذي يشتمل على الأعضاء التي تقوم بمهمة النطق والفصاحة والبيان ، ومن ذلك:
ـ ( رماه الله بغاشية ) : داء يأخذ في جوفه .[4]
ـ ” ويقال : ( وريا وزيد بريا ) الوري : داء يكون في الجوف فلا يزال حتى يقتل . وبريا : أي يبرى حتى يذهب لحمه وبدنه “[5]
ـ “الوَرْيُ : قَيْح يكون في الجَوف . وقيل : الوَرْي : قَرْحٌ شديد يُقاء منه القَيْح والدَّمُ وحكى اللحياني عن العرب : ( ما له وَراه الله )أَي رَماه الله بذلك الداء قال والعرب تقول للبَغِيض إِذا سَعَلَ وَرْياً وقُحاباً وللحبيب إِذا عَطَس رَعْياً وشْبَاباً”[6]
ـ “ويقال: رماه الله في سِلِّجانهِ أي في : حلقومه.”[7]
ـ” في الدعاء عِي له وشىٌّ والنصب جائز. والمُعاياةُ: أن تأتى بكلام لا يهتدي له. وقد عاياهُ وعَيَّاهُ تَعْيِيَةً”[8]
ـ” وفي الدعاء ( حَلْقًا لَهُ وَعَقْرًا ) أي أصابه الله بوجع في حلقه وعقر في جسده والمحدثون يقولون ( حَلْقِي عَقْرِي )”[9]
ـ ” ويقال للإنسان إذا سعل : ( عنس بكدد ) عنس طال مكثه أي طال مكث السعال عليه وقوي، والكدد والكديد ما صلب من الأرض وقال أبو محمد اليزيدي يقال للإنسان إذا سعل (وتد عسير نكد )”[10]
ـ ” ويقال للذي يسعل أشمت الله عاديه وأشمت عدوه”[11]
وكانت لهم عادات خاصة بهم يتخذونها عند الخطابة يعتمدون فيها ‘ على أجسامهم ، وأطرافهم ومن هذه العادات : ” أن الخطيب منهم إذا خطب في تفاخر وتنافر وتشاجر رفع يده ووضعها ، وأدى كثيرا من مقاصده بحركات يده. فذلك أعون له على عرضه ، وأرهب للسامعين له ، وأوجب لتيقظهم “[12]
ومن عاداتهم أيضا : ” أخذ المخصرة بأيديهم ، وهي ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه ، … فلا يخطبون إلا بالمخاصر، وكانوا يعتمدون على الأرض بالقسي ، ويشيرون بالعصا والقنا ، ومنهم من كان يأخذ المخصرة في خطب السلم ، والقسي في الخطب عند الخطوب والحروب “[13]
ولعل هذا ما دعاهم إلى الدعاء على الإنسان بالشلل وألام الظهر حتى لا يستطيع الوقوف خطيبا ، ومن ذلك :
ـ “(ماله شل عشره ) ، ( ويدي من يده ) ، (وأشل الله عشره )
( وأبرد الله مخه ) أي :هزله “[14]
ـ” ( رماه الله بالعرفة ) وهي قرحة تأخذ في اليد والرجل ، وربما أشلت “[15]
ـ (رماه الله بالطُلاطلة ) : الداء العُضال . ابن دريد : الطُلَطِلة والطُلاطلة – داء[16]. ” وقال أبو حاتم: رماه الله بالطُّلاطلة، وهي الذِّبْحة التي تُعْجله”[17]. وفي المحكم : ” رماهُ الله بالطُّلاطِلَة ، وحُمَّي مُمَاطِلَةَ ، وَهَو وَجَعُ في الظَّهْرِ”[18]
ـ “( ورماه الله بالزلخة ) وهي وجع في ظهر الإنسان شديد.”[19]
ـ ” (رماه اللّه بفاقرة ) أي بداهية تقصم فَقاره.”[20]
ـ وقد يدعون على الإنسان بأي مرض يسبب له الألم ، كوجع الكتف أو البطن وغيرهما ، ومن ذلك:
ـ “الدِّلَّخْمُ: الداء الشديد، يقال : (رماه الله بالدِّلَّخْمِ ).”[21]
ـ” (رماه الله بما يُقَبِّضُ عَصَبه ) ،وقولهم : ( قَمْقَم[22] الله عَصَبه ) أي أيبس الله عَصَبه”[23]
ـ”( رماه الله بالسُّحاف ) وهو :وجع يأخذ الكتفين ويَنْفُث صاحبه مثل العصب”[24] ” قال أبو علي وقال غيره :السحاف السل ، ورجل مسحوف أي مسلول”[25]
ـ “( رماه الله بالحَبَن والقُدَاد ) وهو داء يأخذْ في بطنه”[26]
ـ الدعاء بالألم والأنين:
” ( له الويل والأليل ) وهو الأنين”[27] .
” (رماه الله بالأنة ) أي : بالأنين “[28]
ـ الدعاء بالضعف والوهن :
“ماله خاب كهده الكهد المراس والجهد”[29]
=================
[1] ـ المستطرف في كل فن مستظرف لشهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي .تح / د.مفيد محمد قميحة ج 1 ص 108 { دار الكتب العلمية – بيروت .ط. الثانية ، 1986م }
[2] ـ بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب لمحمود شكري الألوسي البغدادي . تح/ محمد بهجة الأئري ج 3 ص 151{ د. ط .ت )
[3] ـ السابق ج 3 ص 153
[4] ـ المخصص ج 3 ص 388
[5] ـ ذيل الأمالي 67
[6] ـ لسان العرب ( و ر ي )
[7] ـ تهذيب اللغة (س ل ج )
[8] ـ المحكم والمحيط الأعظم (ع ي ي ) الثنائي المضاعف من المعتل ( العين والياء )
[9]ـ المصباح المنير ( ح ل ق )
[10] ـ ذيل الأمالي ص 67
[11] ـ ذيل الأمالي ص 67
[12] ـ بلوغ الأرب في معرفة ج 3 ص 152
[13] ـ السابق ج3 ص 153
[14] ـ ذيل الأمالي ص 62
[15] ـ السابق ص 62
[16] ـ المخصص ج 3 ص 388
[17] ـ التهذيب (ط ل ل )
[18] ـ المحكم والمحيط الأعظم ( ط ل ل )
[19] ـ المحيط في اللغة ( ز ل خ )
[20] ـ الجمهرة ( ف ق ر )
[21] ـ العين ( د ل خ م )
[22] ـ “وأصل ذلك من القمقام ، وهو وسط البحر ومجتمع مائه . وقال أبو عمرو : يقال : لما يبس من البسر القمقم” ينظر ذيل الأمالي ص 64
[23] ـ المزهر ج 2 ص 264
[24] ـ المزهر ج 2 ص 263
[25] ـ ذيل الأمالي ص 62
[26] ـ ذيل الأمالي والنوادر ص 62
[27] ـ ذيل الأمالي والنوادر ص 66
[28] ـ السابق ص 67
[29]ـ السابق ص 67