التَّنَاصّ فى ميزان النّقد [الحلقة السادسة: مهمة التناصّ عند النقاد الحداثيين].. بقلم أ.د/ إبراهيم الهدهد
أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة ورئيس جامعة الأزهر الأسبق.
مهمة التناصّ عند النقاد الحداثيين
صار التناصّ ـ كما يرى بعض الباحثين ـ بمثابة رواق يدخل منه الناقد إلى قضايا نقدية يريد أن يناقشها فى لحظته التاريخية التى يعيش فيها”(1)
كما أن التناصّ ” يجعل القارئ مشاركا فى إنتاج النص كما تتجلى مقدرة الأديب أساسا فى تشكيله من هذه النصوص التى أتيح له تمثلها فى أطوار سابقة من تكوينه الثقافى نصا جديداً يحمل بصماته الخاصة “(2)
والتناصّ يلزم بوضع النص فى مكانه من خريطة الثقافة التى ينتمى إليها ، وكذلك وضعه فى حيزه التاريخى المعّين ، فمثلا قصيدة ابن عبدون لشاعر أندلس سبقتها قصائد ومقطوعات فى الغرض نفسه، وتقدمتها حكايات من الأمم البائدة ، وأخبار تاريخية وعاصرتها وتلتها كذلك ، ولذلك يتعين قراءتها على ضوء ماتقدمها وما عاصرها وما تلاها لتلمس ضروب الائتلاف والاختلاف(3) وباختصار فإن التناص يلزم بقراءة النصّ فى قضائه البيئى والزمانى.
ومن هنا يرى كثير من الدارسين المحدثين أن التناص شئ لا مناص منه، لأنه لافكاك للإنسان من شروطه الزمانية والمكانية ومحتوياتهما ، ومن تاريخه الشخصى ، أى : من ذاكرته ، فأساس إنتاج أى نص هو معرفة صاحبه للعالم، وهذه المعرفة هى ركيزة تأويل النص من قبل المتلقى أيضا(4) فالتناص إذن ” للشاعر بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان للإنسان فلا حياة له بدونهما ، ولاعيشة له خارجهما(5)
وباختصار فالتناصّ معين للكاتب عند الإبداع لإضافة بصمته الثقافية إلى الثقافات المحيطة بالنص مكانا وزمانا ، ومعين للقارئ فى استكشاف تلاقح النص مع النصوص المحيطة.
=======================
(1) تداخل النصوص فى الرواية العربية ص 68
(2) السابق ص 24
(3) تحليل الخطاب الشعرى ص 125 بتصرف
(4) تحليل الخطاب الشعري ص 123
(5) السابق ص 125