حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

مما استعمله العوام في ضد معناه الفصيح [9] قصــد المبالغــة.. بقلم أ.د/ هاشم عبد الرحيم

أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر

1- رَهِيب

المعنى الفصيح:

“رَهيبُ”: “فعيل” بمعنى “مفعول”، أي: مرهوب، مأخوذ من الرَّهْبَة، والرَّهْبَةُ: مخافة مع تحرّز واضطراب.([1]) و”الفرق بين الرهْبة والخوف: أن الرهبة طول الخوف واستمرارُه؛ ومن ثم قيل للراهب: راهب؛ لأنه يديم الخوف”([2]) ومنه ما ورد “فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: “رَغبةً ورَهْبَةً إِلَيْكَ”([3]) الرَّهْبَةُ: الخَوفُ  والفَزَع”([4])

يقال: “رَهِبْتُ الشَّيءَ أَرْهَبُهُ رَهَباً ورَهْبةً، أي: خِفْتُه”([5]) “وأرهبَ الرجلَ ورَهَّبَه: فَزَّعه. واستَرْهَبَه: استدعى رَهْبَتَه حَتَّى رَهِبَه النَّاس، وَبِذَلِك فُسر قَوْله -عز وَجل-: }وَاسْتَرْهَبوهُمْ وجاءُوا بِسِحْرٍ عظِيمٍ ِ{ ([6]) ” ([7]) “وتَرَهَّبَ غَيْرَه: إذا تَوَعَّدَه. وقال العَجّاج يصف عَيْرًا وأُتُنَهُ:

 

تَكْسُوه رَهْباهًا إذا تَرَهَّبَا على اضْطِمارِ اللَّوح بَوْلًا زَغْرَبا([8])

 

رَهْباها: التي تَرْهَبُه، كما يُقال: هالِكٌ وهَلْكَى.”([9])

ويقال: “رَهَبوتٌ خيرٌ من رَحَموتٍ. أي: لِأنْ تُرْهَبَ خيرٌ من أن تُرْحَمَ”([10]) ومن هذا المعنى قول الله -عز وجل-: }وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ {([11]). الرَّهْب والرَّهَب: الخوف .([12])

المعنى العامي:

        من الشائع على ألسنة العوام أنهم يستعملون “رهيب” بمعنى “ممتاز”، فإذا شاهد أحدهم حلقة تليفزيونية لمسابقة قرآنية، وكان من بين المتسابقين طفل يحفظ القرآن الكريم كاملًا، ويقرؤه بالأحكام التجويدية، ورُزق نداوة الصوت، يقول -ممتدحًا نباهته-: هذا ولد رهيب، ويعني: متميزًا بنعوت لم تكن لأقرانه، أو لمن جاوزه في العمر، حيث حفظ القرآن الكريم، وجوَّده على نعومة ظفره.

        كذلك إذا زامنك في التعليم زميل، ذكي نَابِهٌ، قليل المذاكرة ضعيف الهمة، ثم عند استطلاعك نتائج زملائك وجدته مدرجًا في قائمة الحاصلين على تقدير “ممتاز”، تقول -ذاهلًا من وُثوبه إلى هذه القائمة، متعجبًا من قوة ذاكرته وسرعة حفظه-: هذا طالب رهيب؛ لأنه استوعب في مدة وجيزة ما يجمعه غيره في أضعافها، فوثب إلى هذه القائمة بأقل جهد.

استنتاج وتعليق:

        دلت كلمة “رهيب” على “مرهوب” وهو المخوف منه، الذي يُفزع النفوس، وينزع منها الطمأنينة، مع بث الاضطراب والقلق فيها، على الرغم من التحرز وشدة الحذر.

        أما عند العامة فتفصح عن وصف محبب، مبعث لسعادة النفس وطمأنينة الروح؛ إذ لا تصدر إلا مصحوبة بانشراح الصدر وابتهاج القلب؛ وعليه يظهر التقابل في المعنى؛ إذ الأولى تسلب الصدر الراحة، والثانية تمنحه إياها.

        والسبب الأبرز في وقوع هذا التضاد يرجع إلى عامل نفسي، وهو قصد المبالغة في الوصف، ذلك أن الناعت بها يريد أقصى غايات الوصف وقصارى درجاته، فيستخدم “رهيب” موقِنًا أنها أقوى تعبيرًا من “ممتاز”، وأنسب لما في نفسه من قوة رضاه عن المنعوت وشدة إعجابه به.

=====================

([1]) المفردات في غريب القرآن ص366، بتصرف، وينظر: تاج العروس 2/537 .

([2]) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، ص261 .

([3]) رواه الإمام أحمد عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ في مسنده 30/476 برقم (18514).

([4]) النهاية في غريب الحديث والأثر 2/280 (رهب).

([5]) العين 4/47 (هـ ر ب)، وينظر: تهذيب اللغة 6/155 (هـ ر ب)، والصحاح 1/140         (ر هـ ب).

([6]) سورة الأعراف: من الآية 166 .

([7]) المحكم والمحيط الأعظم 4/310 (هـ ر ب)، وينظر: تاج العروس 2/538 (رهـ ب) .

([8]) البيت من الرجز، نسب إلى العجاج في: تهذيب اللغة 6/156 (هـ ر ب)، والتكملة والذيل والصلة 1/145 (ر هـ ب)، وبلا عزو في: تاج العروس 3/22 (ز غ ر ب)، ولم أقف عليه في ديوان العجاج برواية الأصمعي، تح: د. عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، لبنان، 1416هـ/1995م.

([9]) التكملة والذيل والصلة 1/145 (ر هـ ب)، واللسان 1/436 (ر هـ ب).

([10]) الصحاح 1/140 (ر هـ ب)، واللسان 1/436 (ر هـ ب)، وينظر: جمهرة اللغة 1/332 (ب ر هـ).

([11]) سورة الأعراف: من الآية 166 .

([12]) الغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد الهروي 3/796، بتصرف.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu