حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

مما استعمله العوام في ضد معناه الفصيح [11] الرغبة في التقليد.. بقلم أ.د/ هاشم عبد الرحيم

أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر

أَعْتَقِــــد

المعنى الفصيح:

الفعل “اعْتَقَدَ” ثلاثيه “عَقَدَ”، وتدل مادته عَلَى شَدٍّ وَشِدَّةِ وُثُوقٍ وتوكيد، وَإِلَيْهِ تَرْجِعُ فَرَوْعُ الْبَابِ كُلُّهَا.([1])

من ذلك قولهم: “عَقَدْتُ الحبلَ والبيعَ والعهدَ، فانعَقَدَ. وعَقَدَ الرُبُّ([2]) وغيرُه، أي: غَلُظَ، فهو عَقيدٌ… والعَقِدُ أيضاً، بكسر القاف: ما تَعَقَّدَ من الرمل، أي: تراكَم”([3]) “وعَقَدَ الْعَهْدَ وَالْيَمِين: يَعْقِدُهما عَقْداً، وعَقَّدهما: أكَّدهما”([4]) فعَقْدُ اليمين: أن يَحْلِف يمينًا لا لغو فيها ولا استثناء، فيجب عليه الوفاء بها.([5]) ومنه قول الله -تعالى-: }لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ {([6])([7])، ومنه قوله -تعالى-: }وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ  وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ{([8]) وقرئ: {عَقَّدَتْ أيْمَانُكُمْ} بِالتَّشْدِيدِ([9])، مَعْنَاهُ: التَّوْكِيدُ وَالتَّغْلِيظُ، كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: }وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها{ ([10]) فِي الْحَلِفِ أَيضاً.([11])

“وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ وَكُلِّ شَيْءٍ: وُجُوبُهُ وَإِبْرَامُهُ. وَالْعُقْدَةُ فِي الْبَيْعِ: إِيجَابُهُ”([12]) ويقال -في الخماسي منه-: اعتَقَدَ الشيْءُ: صَلبَ واشْتَدَّ، ومنه: اعتَقَدَ بينَهما الإِخاءُ: صَدَقَ وثَبَتَ.([13]) و”اعتقد الدينَ وغيرَهُ: أي: عَقَدَ عليه قلبَهُ”([14]) ومعنى: عَقَدَ القلبَ على الشيء، أي: أنه لزمه، ولم ينزِعْ عنه.([15])

المعنى العامي:

تجري هذه الكلمة على ألسنة العامة، ويعنون بها الظن والتردد وعدم القطع بالكلام.([16]) من ذلك أنك إذا سألت أحدهم: هل تزوج فلان؟ فيجيب -متذبذبًا- على ما أعتقد أنه تزوج. وإذا قلت لأحدهم: هل توظف فلان؟ أجابك -مرتابًا-: أعتقد هذا.

ولم يكن هذا الاستعمال حبيسًا على العوام، بل درج على ألسنة بعض المتخصصين، حيث ترى أحدهم -حين تناقشه في مسألة طال عهده بها- يقول: أعتقد أن هذه المسألة في كتاب كذا. غير جازم بموضعها.

استنتاج وتعليق:

بدا مما سبق أن “الاعتقاد” عند أهل اللغة يدل على التوكيد والجزم والقطع بالشيء، أما العوام فيستعملونه لإفادة التردد والشك والتذبذب في الإخبار؛ ومن ثم يعد هذا من إطلاق اللفظ على ضد معناه الفصيح.

ولعل الباعثَ على هذا الاستعمال -في حدسي- الرغبةُ في التقليد، وذلك أن استعمال “الاعتقاد” في “التردد” جرى أولًا على ألسنة المثقفين المتخصصين، فلم يَسلم عامة الكتاب من هذا اللحن، فقد أخذوها وأساءوا استعمالها.([17]) ثم تسرب إلى ألسنة العامة قاصدين التأسي -في هذا الاستعمال اللغوي- بالمتخصصين، وهاتيك عادة المجتمعات الإنسانية قاطبة، حيث يقلد الأدنى منها الأعلى؛ وذلك لأن لغة الشخص تحددها عوامل كثيرة منها المستوى التعليمي والرغبة الخاصة([18]).

======================

([1]) ينظر: مقاييس اللغة لابن فارس، 4/86 (ع ق د).

([2]) الرُّبُّ: مَا يُطْبَخُ مِنَ التَّمْرِ، وَهُوَ الدِّبْسُ أَيضاً. لسان العرب 1/460 (ر ب ب).

([3]) الصحاح، 2/510 (ع ق د)، وينظر: المصباح المنير، ص 214 (ع ق د).

([4]) المحكم والمحيط الأعظم، 1/166 (ع ق د)، وينظر: لسان العرب لابن منظور، 3/296 (ع ق د).

([5]) العين للخليل بن أحمد، 1/140 (ع ق د) بتصرف.

([6]) سورة المائدة: من الآية 89 .

([7]) ينظر: مقاييس اللغة 4/86 (ع ق د).

([8]) سورة النساء: من الآية 33 .

([9]) هذه قراءة شاذة نسبت إلى أم سعد بنت سعد بن الربيع، في: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، لأحمد بن محمد الثعلبي 3/301 ، وبلا عزو في: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف)، للحسين بن عبد الله الطيبي 4/526 .

([10]) سورة النحل: من الآية 91 .

([11]) ينظر: لسان العرب، 3/297 (ع ق د) .

([12]) مقاييس اللغة، 4/86 (ع ق د).

([13]) تاج العروس 8/403 (ع ق د) بتصرف، وينظر: مقاييس اللغة، 4/86 ، 87 (ع ق د).

([14]) شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، لنشوان الحميري، 7/4683.

([15]) العين، 1/140 (ع ق د) بتصرف، وينظر: المحكم والمحيط الأعظم، 1/168 (ع ق د).

([16]) ينظر: تقويم اللسانين، للدكتور: محمد تقي الدين الهلالي ص9 .

([17]) ينظر: تقويم اللسانين، للدكتور: محمد تقي الدين الهلالي ص 9.

([18]) ينظر: علم اللغة الاجتماعي عند العرب، د.هادي نهر ص 26 .

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu