(العربيــة فخــــر اللغــات وأسمـــاها) [الحلقة الثانية] بقلم أ.د/ عبد التواب الأكرت
أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم السابق بكلية اللغة العربية بالقاهرة ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر
تمهيد :
للغة العربية جذورٌ ضاربةٌ في أعماق التاريخ و الوجدان ، وغصونٌ ترتقي بالعلم والمعرفة إلى العنان ، وأوراقٌ يانعةٌ أوجدت ثمارًا ناضجةً ، وكيانـًا يغذي العقول والأذهان ، سمادها التدريب والمران ، هدفها تحقيق الخير والسعادة لكل إنسان ، والسبيل إلى ارتوائها تشجيع الإبداع الفكري ، والجمالي بمختلف الفنون والألوان ، نثرا وشعرا وفكرا ؛ يجعل للعربي مكانةً ، ويحقق له منزلةً ، ويُثقـل له الميزان ، في تَعَلُّمِها عبادة للرحمن ، بحروفها نزل القرآن ، أداة لتلقي المعرفة والتواصل بين الإنسان والإنسان ، هي ذاكرة للأمة وحلقة للوصل بين الأزمان ، إنها للقومية وجدان ، و للثقافة نسيج وعنوان ، تـُرْسِّخ الولاءَ للأوطان ، إنها اللغة العربية لغة البلاغة ، لغة المعاني والبديع والبيان .
ما زال إعجازها اللغوي قائما حتى الآن في مختلف فروعها وما زالت تتحدى بآيات القران ، وما زالت أشعارها تبهر الوجدان ، وما زالت حِكَمُها وأمثالها تخاطب الأذهان ، وما زالت حروفها سجلا لتاريخ اللغات عبر الأزمان ، إنها الريشة التي يبدع بها كل شاعر وروائي وفنـان ، هي أسمى اللغات منزلة وأعلاها مكانة في كل زمـان ومكـان .
هي النبع الفياض الذي لا ينضب ، والبحر الذي في أحشائه الدر كامن ، إنها لغة الضاد ، لغة أهل الجنة ، ولغة القرآن .
ألا تستحق أن نفخر بها وأن ندافع عنها ! بلى تستحق كل الفخر ، وأن نزود عنها حتى الموت .
المبحث الأول : أهمية العربية ومنزلتها الأدبية :
إن ما قيل في سطور الكتب وبطونها عن فضل اللغة العربية وأهميتها وما كُتب عن علو قدرها وسمو مكانتها كثيرٌ جَمٌّ لا تكفيه هذه السطور المتاحة ، فاللغة العربية هي أسمى لغات العالم منزلـة ، وأعلاها قدرا ومكانـة ، وهي لغـة القرآن الكريـم الذي حُفِظَت بفضلـه من الضيـاع والاندثـار فكُتِب لها الخلـود والبقـاء ، تأثرت بالقرآن الكريم ، وأثَّرت في مفاهيم وأعراف المجتمع الإسلامي ، ولُدِت لغـة خصبة غنية بمفرداتها ، وشبت قوية تُصارع من أجل البقاء ؛ فانتصرت ، وصارت لغـة مرنـة متطـورة استوعبت كـل أنـواع العلـوم والفنون والآداب ملائمة لكل زمـان ومكـان .
وكفى العربية فخرا أنها لغة القرآن الكريم ، آخر الكتب السماوية الذي نزل لهداية جميع البشر ، مستخدما تلك اللغة العربية كوسيلة اتصال بين الله عز وجل وبين جميع الخلق والعباد ، فنقل الله من خلالها أوامره ونواهيه وشرائعه وعباداته وفرائضه وأضفى القرآن على العربية من قدسيته ، وحفظها من الانقراض اللغوي ؛ فصارت خالدة باقية إلى يوم الدين ؛ لأن الله – عز وجل- اختار لكتابه الكريم أفصح اللغات ، وأعلاها قدرا ، وأسماها منزلة فقال تعالى في كتابه الكريم : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يوسف : 12.
وكان القرآن الكريم في حد ذاته معجزةً إلهيةً كبرى تحدَّت كلَّ البشر ، وأعجزت فصحاء الريف والحضر ، فحفظ الله به اللغة العربية من الضياع والاندثار ، وأكسبها ثباتا وبقاءً ، ودقةً وثراءً ، ومرونةً ونقاءً .
وكفاها فخرا أنها كانت لغة نبي الله محمد r، آخر الأنبياء والرسل ، أفصح من نطق بها رغم كونه نبيـًا أميـًا لا يجيد القراءة والكتابة ، فقال صلى الله عليه وسلم: ” بُعِثتُ بجوامع الكلم ” ([1]) ، كما قال عليه السلام :” أنا أفصح العرب بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر” ([2]) ، ولم يكن هذا افتخارا منه صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان تقريرا لحقيقة ثابتة ، وكيف لا يكون أفصح العرب وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين ، وعلى قلبه نزل القرآن العظيم ، وقد رباه رب العالمين ، ونشأ وترعرع بين عرب فصحاء معربين ، وقد زكاه ربه فقال في محكم كتابه الكريم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) سورة النجم : 3 – 4 ([3]) .
وكفاها فخرا أنها تجاوزت حدود القبيلة والقوم ، فارتبطت بالإسلام ، فكانت لغة عقيدته ، وشريعته وخطابه إلى جميع البشر ، ومن ثم فقد انتشرت هذه اللغة بانتشار الإسلام في بلاد العراق والشام ، وما وراء النهر من بلاد فارس والهند والسند ، وانتشرت في مصر وشمال إفريقيا وغربها ووسطها وجهات السودان ، وعلى السواحل وفي الجنوب حتى وصل الإسلام إلى جميع أرجاء الأرض متخطيا حدود مكة وشعابها ([4]).
وكفاها فخرا أنها جزء أساسي من لغة المسلم اليومية في أي مكان على وجه الأرض لارتباطها وملازمتها للفرائض الإسلامية ، فالصلاة والآذان والدعاء وقراءة القرآن وترتيله ، ومناسك الحج وغيرها من الفرائض لا تقام إلا باللغة العربية ، ومن ثم فقد ارتبطت اللغة العربية بالمسلمين في أي مكان على وجه الأرض مهما كانت لغاتهم الأصلية التي ينتمون إليها ([5]) .
============================
([1]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري . لابن حجر العسقلاني 6/128 . تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي وآخرون . دون تاريخ .
([2]) المزهر في علوم اللغة وأنواعها . للسيوطي 1/209 . المكتبة العصرية . بيروت .
([3]) شبكة المعلومات . منتدى صيد الفوائد . بلاغة الرسول r . د . مصطفى أحمد عبدالعليم .
([4]) اللغة العربية ومكانتها في الإسلام وموقف المستشرقين منها . د . إسحاق بن عبدالله السعدي ص 2 – 3 بتصرف .