حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

المقياس الصوتي النقدي للغات العرب المزهر للسيوطي أنموذجًا [الحلقة الرابعة] د/ رجب فوزي إمام

مدرس أصول اللغة بكلية اللغة العربية بأسيوط - جامعة الأزهر

5 ـ  الوكم :

        قال السيوطي: « الوكم في لغة ربيعة، وهم قوم من كلب، يقولون: عليكِم، ويكِم، حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة»([1]).

      يرى السيوطي أن الوكم من اللغات المذمومة، وهو في ذلك متفق مع سيبويه([2])، والمبرد([3])، والصاحب بن عباد (ت385هـ) ([4])، والزَّبيدي([5])، في أن الوكم: كسر الكاف من ضمير المخاطبين المتصل «كم» إذا سبق بكسرة، نحو: «بكِم» في «بكُم»، أو بياء، نحو: « عليكِم» في عليكُم» ([6]) .

        ومع أن سيبويه أخضع هذه الظاهرة لقانون المماثلة بين الأصوات المتجاورة إلا أنه عدّها لغة رديئة جدًا، حيث قال: «وقال ناسٌ من بكر بن وائل: من أحلامكِم، وبكِم، شبيهًا بالهاء؛ لأنها علم إضمارٍ، وقد وقعت بعد الكسرة، فأتبع الكسرة الكسرة حيث كانت حرف إضمار، وكان أخف عليهم من أن يضم بعد أن يكسر. وهي رديئة جدًا»([7]).

        ولم يتلمس المبرد الانسجام بين الصوائت في هذه الظاهرة كما فعل سيبويه بل نظر إلى الصوامت «الكاف»، ولذلك خطأ هذه اللهجة بشدة، حيث قال: «وناس من بكر ابن وائل يجرون الكاف مجرى الهاء؛ إذ كانت مهموسة مثلها، وكانت علامة إضمار كالهاء، وذلك غلط منهم فاحش؛ لأنها لم تشبهها في الخفاء الذي من أجله جاز ذلك في الهاء، وإنما ينبغي أن يجري الحرف مجرى غيره إذا أشبهه في علته، فيقولون: مررت بكِم»([8]).

        وقد أرجع كثير من علماء اللغة المحدثين هذه الظاهرة إلى قانون المماثلة الصوتية؛ إذ تأثرت ضمة الكاف بما قبلها من كسرة أو ياء، فقلبت كسرة؛ لتنسجم مع ما قبلها([9]).

        بينما أرجعها الدكتور إبراهيم أنيس إلى التنشئة الاجتماعية، حيث يرى أن القبائل البدوية بوجه عام تميل إلى مقياس اللين الخلفي المسمى بالضمة؛ لأنه مظهر من مظاهر الخشونة البدوية، فحيث كسرت القبائل المتحضرة وجدنا القبائل البدوية تضم، والكسر والضم من الناحية الصوتية متشابهان؛ لأنهما من أصوات اللين الضيقة، فإذا رويت لنا الكلمة بروايتين: إحداهما تشتمل على ضم في موضع معين من هذه الكلمة، والرواية الأخرى تشتمل على الكسر في الموضع نفسه من الكلمة، رجحنا أن الصيغة المشتملة على الضم تنتمي إلى بيئة بدوية، وأن المشتملة على الكسر تنتمي إلى بيئة حضرية، ثم يخلص الدكتور إبراهيم أنيس إلى نتيجة مفادها أن اللغة النموذجية قد انتهجت النهج البدوي في هذه الضمائر؛ لأن المشهور الشائع في نطقها هو أن تكون بالضم([10]).

        وعليه فإن عدّ هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها هو قلة استعمالها مقابلة باللغة النموذجية.

6 ـ  الوهم :

        قال السيوطي: «الوهم في لغة كلب، يقولون: منهِم، وعنهِم، وبينهِم، وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة»([11]) .

        يتفق السيوطي مع سيبويه في عدّ الوهم من اللغات المرغوب عنها، يقول سيبويه: «واعلم أن قومًا من ربيعة يقولون: منهِم، أتبعوها الكسرة، ولم يكن المسكََّن حاجزًا حصينًا عندهم. وهذه لغة رديئة، إذا فصلت بين الهاء والكسرة، فألزم الأصل»([12]).

        والضم هو الأصل لحركة الهاء في ضمير الغائب المتصل، سواء كان للغائبين «هُم»، أو للغائبات «هُن»، أو للمثنى بنوعيه «هُما»، أو لضمير الغائب المذكر: «ـهُ»، وهذه الضمائر تكسر في الفصحى إذا وقعت بعد كسرة أو ياء، فتقول: بصاحبهِم، وقاضيهِم، وعليهِم، في: صاحبهُم، وقاضيهُم، وعليهُم، بسبب قانون المماثلة الصوتية بين الحركات، كما حدث في ظاهرة الوكم([13]).

        فالوهم: كسر الهاء من ضمير الغائبين «هم»، وإن لم يكن قبل الهاء كسرة أو ياء»([14]).

        ويتوهم بعض الباحثين المحدثين في أن التفسير الصوتي لهذه الظاهرة هو المماثلة بين الحركات([15])، وفي كلامهم نظر.

        إن الناطقين بهذه الظاهرة يطردون الباب على وتيرة واحدة، في الضمير «هُم» فيكسرون هاءه مطلقًا، سواء سبق بكسرة أو ياء، أم لم يسبق بواحد منهما، فهم يجرون قانون المماثلة الصوتية فيما سبق بكسرة أو ياء – كما في الفصحى – ويجرون القياس على ذلك فيما لم يستوف هذا الشرط([16])، وكما قال سيبويه: «أتبعوها الكسرة، ولم يكن المسكَّن حاجزًا حصينًا عندهم»([17]).

        وعليه يكون سبب عدّ هذه اللهجة مرغوبًا عنها عدم وجود مبرر صوتي لاستبدال الكسر بالضم تبعًا لقانون المماثلة، أو هو إجرائها لقانون المماثلة الصوتية بين الحركات بدون استيفاء الشرط، مما تسبب في قلة استعمالها.

====================

([1]المزهر 1/222 .

([2]ينظر : الكتاب 4/197 .

([3]ينظر : المقتضب 1/269،  270 .

([4]ينظر : المحيط في اللغة للصاحب بن عباد 2/70 ( ك م و) .

([5]ينظر : تاج العروس 1/22 .

([6]ينظر : فصول في فقه العربية ص152 .

([7]الكتاب 4/197 .

([8]المقتضب 1/269، 270 .

([9]ينظر : فصول في فقه العربية ص 152، وفقه اللغة «مسائله ومناهله» ص 253 .

([10]ينظر : في اللهجات العربية ص 81 – 85 .

([11]المزهر 1/222 .

([12]الكتاب 4/196 .

([13]ينظر : فصول في فقه العربية ص 153، وفقه اللغة مسائله ومناهله ص 253 .

([14]ينظر : فقه اللغة «مسائله ومناهله» ص 253 .

([15]ينظر: فقه اللغة «مسائله ومناهله» ص 253،  والأصوات واللهجات قديمًا وحديثًا للدكتور نادية النجار ص 255 .

([16]ينظر : فصول في فقه العربية ص 153 .

([17]الكتاب 4/196 .

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu