تقنيات درامية في قصيدة غَرْناطة لنزار قباني [الحلقة الأولى] بقلم أ.د/ صبري فوزي أبو حسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، بجامعة الأزهر
هذه قراءة خاصة في الشعر النزاري الساحر الآسر وخصوصا رائعته (غرناطة)، التي أبدعت سنة 1965م، ونشرت في ديوانه (الرسم بالكلمات)، وغرناطة تمثل- في عقل كل مثقف عربي ومثقفة عربية- معقل الإسلام والعروبة الأخير في الأندلس؛ فهو اختيار فني زكي فتي، يمتعنا ويسعدنا، ويحيي فينا الأندلس ويحيينا بها، حيث مرَّ على سقوط الأندلس ثلاثين وخمسمائة عام، بعد حصارها من قبل القوات الإسبانية الكاثوليكية فيما سمي أوربيًّا حروب الاسترداد أو الاستعادة! وما أصدق قول أمير الشعراء في نونيته الأندلسية:
رسم وقفنا على رسم الوفاء به نجيش بالدمع والإجلال يثنينا
لفتية لا تنال الأرض أدمعهم ولا مفارقهم إلا مصلينا
لو لم يسودوا بدين فيه منبهة للناس كانت أخلاقهم لهم دينا
وتكون الحياة الروحية أعمق ما تكون حين تأتي عن طريق السحر النزاري الحلال، خلال هذه القصيدة التي حركت فيَّ النهج الدرامي، لقراءتها؛ ففيها من تقنيات الدراما ما يجعلها جاذبة مؤثرة فينا! مما جعلني أخط هذه المقالة النقدية(تقنيات درامية في قصيدة غَرْناطة لنزار قباني)، والتي يمكن أن أعرضها على النحو الآتي:
درامية العنوان:
لعل شاعرنا اختار هذا المكان الأندلسي عنوانًا لرائعته، وكرر لفظها أربع مرت، فـ(غرناطة :(Granada) مدينة في منطقة (أندلوسيا( جنوب إسبانيا، وكانت تدعى إلبيرة حتى منتصف القرن الثامن الميلادي. وفي القرن الحادي عشر، نقل بنو زيري البربري العاصمة من مدينة إلبيرة إلى مدينة غرناطة. وهو اسم مشتق من الأصل اللاتيني( (granatu،(pomegranate) ، وكانت جميلة الشكل، فقد روي في سبب تسميتها، أنها تعني الرمانة. وقد سميت كذلك لجمالها، ولكثرة حدائق الرمان التي تحيط بها، وكذلك في معجم ياقوت حيث يقول: “إن معنى غرناطة “الرمانة” بلسان عجم الأندلس (الهسبانية) سمى البلد كذلك لحسنه. وقيل: إنها سميت كذلك لأنها أنشئت على البقعة التي زرع فيها الرمان لأول مرة عند نقله من إفريقية إليها، وقيل: إنها سميت كذلك؛ لأنها بموقعها وانقسامها على التَّلَّيْن تشبه بمنازلها الكثيفة الرمانة المشقوقة. وإنما قصد إليها نزار قصدًا:
–لأنها آخر معقل للمسلمين في الأندلس حيث سقطت في الثاني من شهر يناير/انون الثاني، سنة 1492م=سنة 897هـ، إذ يُعد سقوط غرناطة من أكثر الأحداث المهمة التي ميزت النصف الأخير من القرن الخامس عشر في التاريخ الإسباني؛ لأنه كان نهاية الحكم الإسلامي، الذي دام أكثر من ثمانية قرون، وليس سبعة كما يرى نزار!
-وغرناطة المكان الإسباني الذي به آثار واضحة دالة على الوجود العربي والإسلامي بها، حيث البقعتان الساحرتان: جنة العريف، وقصر الحمراء، اللتان اقتصر على ذكرهما نزار فقط من بين الآثار الأندلسية الفاتنة الباقية إلى الآن رغم محاكم التفتيش العنصرية ضد كل ما هو عربي إسلامي في الأندلس! مثل: مسجد قرطبة، ومسجد مدينة الزهراء، وقصر الجعفرية بسرقطسة، وفي مدينة إشبيلية نجد برج الذهب، ونجد مدينة الخيرالدة، وغيرها من الآثار العربية الإسلامية العتيقة الخالدة.