حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الحلقة الثامنة من علم اللغة التطبيقي (تابع منهج تحليل الأخطاء)

أ.د/ عصام فاروق

بعد أن تحدثنا عن مرحلتي جمع الأخطاء، وتصنيفها وتوصيفها، نصل الآن إلى المرحلة الأخيرة من عملية التحليل وبيانها كالتالي:

المرحلة الثالثة:

مرحلة البحث عن أسباب وقوع الأخطاء

تعد هذه المرحلة – التي يسميها البعض تفسير الأخطاء- من أصعب مراحل تحليل الأخطاء، ذلك أنه (( ليست هناك كلمة جامعة على معايير التفسير؛ إذ كلها موضع نقاش وجدل؛ لأن البرهنة على صوابها ليست أمرًا سهلًا.)) ([1]) ولاشك أن أسباب الأخطاء التي ترد عند الدارسين قد لا تعود إلى سببٍ واحدٍ، أو بمعنى آخر قد تتداخل أسباب عديدة في وقوع الأخطاء لدى الدارس الواحد، أو مجموعة الدارسين.

على أن هناك مدخلين (( لتفسير الأخطاء: الأول ويهتم بمصادر الخطأ. وهناك مصدران أساسيان للأخطاء الشائعة. فالخطأ قد يكون نتيجة نقل الخبرة من اللغة الأولى إلى اللغة الثانية. وهذا النوع من الأخطاء يسمى بأخطاء ما بين اللغات، وقد يكون الخطأ ناتجا عن عجز الدارس عن الاستخدام اللغوي الصحيح في مرحلة معينة من تعلمه هذه اللغة. أي أن الخطأ لا يُعزى إلى عمليات النقل من لغة إلى أخرى قدر ما يعزى إلى الجهل بقواعد اللغة الجديدة، أو التداخل بينهما في عقل الدارس في مرحلة ما. وهذا النوع من الأخطاء يسمى بالأخطاء التطورية، أو أخطاء داخل اللغة ذاتها.

أما المدخل الثاني لتفسير الأخطاء فيهتم بتأثير الخطأ. ويقصد بالتأثير هنا دور الخطأ في تشويه الرسالة التي يريد المرسِل إبلاغها. فعلى المستوى الصوتي- على سبيل المثال- يفرق الباحثون بين نوعين من الخطأ:

  • الخطأ الفونيمي: وهو الذي يغير محتوى الرسالة. كأن ينطق الدارس كلمة (طين) بدلا من (تين).
  • والنوع الثاني ويسمى بالخطأ الصوتي الفوناتيكي، وهو الذي لا يغير محتوى الرسالة. كأن ينطق الدارس اللام مفخمة أو مرققة عند نطق لفظ الجلالة (الله)))([2])

على أنه مما يراعى أيضا المهارة التي تقع فيها هذه الأخطاء، فالأخطاء الواردة في الكتابة على سبيل المثال تختلف بالطبع عن الواردة في مهارة الاستماع عنهما التحدث وهكذا، وبالتالي فإن تعدد مظاهر هذه المهارات قد يوازيه تعدد في الأسباب.

أما عن الأسباب نفسها فقد رصدت الدراسات التي أجريت بهذا الشأن العديد منها، وبعضها كالتالي:

  • التداخل بين اللغات، أو اختلاف أنظمة اللغتين: الأم والثانية، وإذا كان هذا هو السبب الأساس الذي قامت عليه فكرة التحليل التقابلي، ويعد وجود هذا السبب دليلا على أهمية التحليل التقابلي ونجاعته في التنبؤ بهذا النوع من المشكلات التي أثبت تحليل الأخطاء وجودها بشكل فعلي في عملية تعليم اللغة الثانية.

وتدور فكرة التداخل (( على المبدأ الآتي: إننا نتعلم مهارة جديدة على أساس مهارة موجودة تعلمناها قبلا. ومعنى ذلك أنه لابد أن يحدث تَدَخُّل ما بين المهارتين عند التعلم، وهذا التدخل يكون نتيجة النقل. والنقل قد يكون ( أماميا ) بأن تؤثر المهارة الموجودة على المهارة الجديدة، وقد يكون العكس، وهو ما يسمى ( ارتجاعيا )، وكل منهما قد يكون (إيجابيا) أو (سلبيا) أما الإيجابي فهو تيسير تعلم مهارة جديدة بسبب التشابهات بين المهارتين، وأما السلبي فهو إعاقة تعلم مهارة جديدة بسبب الاختلاف بين المهارتين.))([3])

ومن الأخطاء التي أمكن تفسيرها بهذا الاختلاف أو ذلك التداخل، الخطأ في المطابقة على مستوى التعريف والتنكير، في الدراسة التي أجريت على عينة من الطلاب الماليزيين،  فقد فُسرت بأن هذه (( الأخطاء تعود إلى نقل الخبرة اللغوية من اللغة الملايوية إلى اللغة العربية، فاللغة الملايوية لا تستخدم أداة للتعريف، ويفهم التعريف من سياق الكلام، فالطالب الملايوي لا يفرق بين (ذهبت إلى المدرسة) وبين (ذهبت إلى مدرسة)))([4]) لافتقاده ذلك النمط في لغته الأم.

وتعزى أخطاء الدارسين في هذه العينة في حروف المعاني، أيضا إلى التداخل بين اللغتين الملايوية والعربية، إذ إن الملايوية تسمح بوجود فعلين معا دون أداة (أن) مثل: أريد أقرأ. ([5])

كذلك بالنسبة للدراسات التي أجريت على الطلبة الكوريين فقد أظهرت في مستواها الصوتي أنه (( تعد الأصوات الصائتة الطويلة خاصية مميزة في اللغة العربية، بينما هي في اللغة الكورية عكس ذلك، فالكوريون يواجهون صعوبات في التمييز بين الصائت القصير والطويل)) ([6])  

وأيضا (( لا تمييز بين المذكر والمؤنث في اللغة الكورية. كما يجد متعلم العربية من غير أهلها صعوبة أيضا في إدراك علامات التأنيث وتمييزها.. وقد لوحظ من خلال الدراسة التطبيقية للعينة عدم تأنيث الضمائر أو أسماء الإشارة مع الاسم أو الفعل المؤنثين عند الإسناد إليهما، كذلك عدم تأنيث الصفة مع الموصوف المذكر.. وتعزى أسباب تلك الأخطاء إلى نقل الخبرة من اللغة الأم (الكورية) كما قد يقع المتعلم في خطأ تأنيث المذكر، كإسناد الفاعل المذكر إلى فعل مؤنث))

كذلك ((يختلف ترتيب الجملة الفعلية في العربية عنها في الكورية، فالجملة العربية تبدأ بالفعل بينما تنتهي الجملة الكورية بالفعل. لهذا يلجأ المتعلم الكوري إلى استعمال الجملة الاسمية بدلا من الفعلية)) ([7]

وعزت الدراسة على الماليزيين بعض الأخطاء إلى تداخل اللغة العربية نفسها، وكثرة قواعدها، وصعوبتها على الدارس الأجنبي، وجاء هذا السبب تعليلا للأخطاء التالية: (الأخطاء الخاصة بحروف المعاني، الأخطاء الإعرابية، الأخطاء الخاصة باستخدام الضمائر، الأخطاء الصرفية في مجملها، ) ([8])  

وإن كنت أقف بشيء من التحفظ أمام ذلك التعليل، لأمرين:

الأول: أن صعوبة القواعد لا تقف عند العربية فقط ففي اللغة الألمانية وغيرها من الصعوبات القواعدية ما يفوق نظيرتها في العربية.

الثاني: هل إذا غيرنا العينة لعينةٍ أعلى مستوى تتبقي هذه الأخطاء أيضا، مما يعزى فعلا إلى اللغة نفسها، أم أنها ستقل؛ بناءً على ارتفاع المستوى، مما لا يعد اللغة سببًا رئيسًا فيه؟

مناهج الدراسة:

(( فقد تركز بعض المناهج على أنماط معينة في جمل مصنوعة والمبالغة في تصويب أخطاء الدارسين فيها، وإهمال الاستعمال التطبيقي للأنماط الأساسية في اللغة))

أو أن تقدم أجزاء من المحتوى على أجزاء أخرى، أو يفتقد للأجزاء التي من المفترض البناء عليها، فيحدث لدى فجوة إما نتيجة عدم وجود جزء أساس لم يتم تدريسه له، أو أن هذا الجزء الأساس أتى في مستوى لاحق، وغيرها من الأخطاء التي لابد أن تكون تغذية راجعة لمعدى المحتوى لتطويره أو إعادة النظر فيه.

المتعلم:

ويقع هذا السبب نتيجة العديد من العوامل، ومنها:

  • الجهل بالقواعد التي تحكم الأنماط اللغوية: لكون المتعلم لم يتعلم القاعدة بعدُ.

فتعليم اللغة (( لا يحدث دفعة واحدة، وإنما يجري على فترات زمنية، وهذا أمر لا مناص منه، فتنشأ الأخطاء نتيجة (المعرفة الجزئية) باللغة، واللغة كما نعرف نظام داخلي مستقل مكتف بذاته، أي أن أجزاءه كلها مرتبطة ارتباطا داخليا، أو أنها (نظام من الأنظمة) ومعنى ذلك أن أي شيء لا يمكن أن نتعلمه كاملا إلا بعد أن نكون قد تعلمنا كل شيء كاملا.)) ([9])

فعلى عينة الماليزيين وجد هذا السبب للمظاهر الخطئية التالية:

* زيادة (ال) على الكلمة، في حين لا يقتضيها السياق، وبخاصة الأعلام. مثل: جئت لتعليم اللغة العربية في المصر . وأتعلم في الجامعة الأزهر. ([10]

* أخطاء إهمال همزة القطع، مثل كتابتهم: انجح في طلب العلم، قبل أن ادخل.([11]

  • الجهل بقيود القاعدة، فقد يتعلم المتعلم القاعدة، لكنه لم يستعمل شروطها، فيظن أنه قد أحاط بها.
  • التطبيق الناقص للقاعدة، كأن يستخدم المتعلم الياء والنون للمثنى أو جمع المذكر السالم في حالات الرفع والنصب والجر، ويحدث هذا غالبا عندما يضطر المتعلم إلى استعمال اللغة قبل أن يصل إلى مستوى تعليمي يؤهله لهذه المرحلة.
  • القياس الخاطئ، أي أن يقيس الطالب القاعدة التي تعملها في درس سابق على أبنية لا تنطبق عليها مثلا.
  • التبسيط: وهو لجوء المتعلم إلى إنتاج تركيب لغوي مبسط تبسيطا مخلا، كأن يخلو التركيب من حرف الجر أو العطف، أو الضمائر.([12])
  • الحواجز النفسية لدى بعض الدارسين من تعلم اللغة خصوصا قواعد النحو العربي، وما يشاع عن صعوبته وغيرها من الأمور التي ليست دقيقة في معظمها.
  • والمبالغة في التصويب، يعزي إليه العديد من الأخطاء، كخطأ زيادة حرف جر لا يقتضيه السياق، مثل: أنا يقرأ في القرآن الكريم، و(يستعمل بها) بدلا من (يستعملها) ([13])

أو أخطاء تعريف المضاف حيث يريد الدارس أن يتجنب الوقوع في الخطأ في استخدام أداة التعريف (ال) فيقع فيه. مثل: قرأ خالد الكتاب القراءة، أريد ألتحق في المعهد البعوث.([14])، وكذا إطالة الصائت القصير، فالصائت الطويل غير موجود في اللغة الملايوية، وذلك يخطئ بعض الدارسين فيه فيحوله إلى صائت قصير، وكاتجاه عكسي يحرص البعض على العكس فيحول كل صائت قصير إلى طويل؛ مما يوقعه في الخطأ أيضا، لكن بسبب المبالغة في التصويب. ([15])  

  • قلة المخزون اللغوي لدى الدارسين، خصوصا فيما يتعلق بالأخطاء الدلالية والأسلوبية في الحديث والكتابة، فلا يستطيع الدارس التعبير عن المعنى المراد بدقة ودلالة مناسبة، فيستخدم المفردات المتوافرة لديه، حتى وإن كانت غير دالة أو لا تناسب السياق.([16])

المعلم:

كأن يعاني من مشكلة في نطق الأصوات؛ لأن المتعلم دائما يقلد صوت معلمه، أو اعتماده على طريقة تدريس قد لا تلائم هذه النوعية من الدارسين.

وقد يكون السبب عدم تعويد الطالب وتدريبه على ممارسة المهارات المتعددة، خصوصا الكتابة، فإذا كانت الممارسة هي قوام عملية اكتساب المهارات المتعددة، لكنها في هذه المهارة أكثر احتياجا إلى ذلك الاكتساب من المهارات الثلاثة الأخرى.    (مالانج 96)

عدم مراعاة مستويات الدارسين، أو تعدد المهارات مما يشكل فروقا فردية تحول دون الإفادة من المادة المقدمة لهم، خصوصا من كان منهم أقل مستوى من نظائره. (مالانج 96)

تركيز المعلم على بعض المهارات على حساب بعضها الآخر، كالعناية بالتحدث وعدم كبت شهوة الحديث المستمر على حساب الاستماع، وكذلك القراءة على الكتابة.

  • ضعف المعلم في المراحل الأساسية عموما في إعداده اللغوي، للدرجة التي لا يلتفت فيها إلى الأخطاء التي يقع فيها الدارسون.
  • إغفال تصحيح الواجبات، وإغفال تصحيح الأخطاء التي ترسخ في أذهان الدارسين.
  • تضييع وقت الحصة أو المحاضرة في أمور هامشية لا علاقة لها بمجريات الدرس.

=====================

[1]))  ينظر: علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية (53)

[2]))  ينظر: المهارات اللغوية (309)

[3]))  ينظر: علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية (53)

[4]))  ينظر: تحليل الأخطاء (155)

[5]))  ينظر: تحليل الأخطاء (156)

[6]))  تحليل الأخطاء اللغوي… الطلبة الكوريين ص 6، 8

[7]))  تحليل الأخطاء اللغوي… الطلبة الكوريين ص 11

[8]))  ينظر: تحليل الأخطاء (147 وما يليها)

[9]))  ينظر: علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية (54)

[10]))  ينظر: تحليل الأخطاء (157، و 287)

[11]))  ينظر: تحليل الأخطاء (164، و 303)

[12]))  ينظر: العصيلي، أخطاء تطورية

[13]))  ينظر: تحليل الأخطاء (156، و 275)

[14]))  ينظر: تحليل الأخطاء (156، و 270)

[15]))  ينظر: تحليل الأخطاء (171)

[16]))  ينظر: تحليل الأخطاء (160)

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu