الآثار القاسية المترتبة على ” إنكار المجاز ” [3] .. بقلم أ.د/ محمود مخلوف
أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر
وممن أثنى عليه الشيخ تقي الدين من الأشاعرة الشيخ جلال الدين السيوطي، وعدّه فيمن تحقق برتبة الاجتهاد ، فقال : ” وفى هذا العصر شيخ الإسلام تقى الدين ابن تيمية، وصفه غير واحد بالاجتهاد ، منهم الشيخ وليّ الدين العراقي في فتاويه “
“الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض” / 153 , 197 .
كما أثنى على الشيخ ابن تيمية العلامة ابن عابدين الحنفي الصوفي في كتابه : حاشية الدر المختار 3 / 300
كذلك الشيخ يوسف النبهاني علامة بيروت ومفتيها ، فهو القائل عن الشيخ تقي الدين ” وابن تيمية إمام كبير، وعلم شهير، من أفراد الأمة المحمدية ، الذين تفتخر بهم على سائر الأمم ، ولكنه مع ذلك غير معصوم من الخطأ والزلل : .. وابن تيمية ــ وإن أخطأ في هذه المسائل المعدودة ــ فقد أصاب بمسائل لا تعد ولا تحصر ، نصر بها الدين المبين ، وخدم بها شريعة سيد المرسلين ــ صلى الله عليه وسلم ــ
شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق 52 , ويراجع نفسه 62
فقصدي من ذكر هذه الأقوال : النصحُ لمن يتولون الدعوة وإرشاد الخلق ، أن يفتشوا عن المقولا ت التي تجمع المسلمين ، ويبتعدوا عن الأقوال التي تزيد الفرقة والشتات ، فإذا حلا لبعض المتشيعين لابن تيمية أن يقفوا عند بعض مقولات أهل العلم القاسية في ذم ابن تيمية فليتذكر هؤلاء أن سياقات الخصومة قد تخرج العالم عن هدوئه واتزانه ، فيقول ما يخجل منه عند تذكيره به في أوقات هدوئه وسكونه ..
فلا ينبغي لداعية اليوم ، راجي لمّ شتات المسلمين أن يقف عند قول ابن تيمية ، مما حكاه هو في خصومه المجتمعين من الأمراء والقضاة : ” فأغلظت لهم في الجواب ، وقلت لهم بصوت رفيع : يا مبدلين ، يا مرتدين عن الشريعة ، يا زنادقة ” ..
التسعينية 2، 4 ولا يقف عند أمثال هذا من نصوص الإقذاع ، مما قاله ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في بعض نصوصه : ” كما يقال : الأشعرية مخانيث المعتزلة ،والمعتزلة مخانيث الفلاسفة … وإنما اعتقادهم أن القرآن غير موجود .. لفظته الجهمية الذكور بمرة ، والأشعرية الإناث بعشر مرات “
التسعينية 272 , 276
بل ينبغي للداعية الراشد أن يذكر لمستمعيه وقارئيه قول ابن تيمية عن الأشاعرة : ” ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم، وصدق، وعدل ،وإنصاف ” ..
أعد قراءة هذه الأسطر بتدبر، وتأملها ببصيرة ، ووازن بين هذه الأسطر وبين كلام د” سفر الحوالي ” في ذم الأشاعرة , والتنفير منهم ثم احكم بعد التروي : أيهما أنفع لحال المسلمين اليوم ؟
وليس كلام ابن تيمية في إنصاف الأشاعرة مقصوراً على الأسطر السابقة ، حتى يتفلت منه مروجو الفتن ، فالشيخ تقي الدين ــ رحمه الله ــ قد كرر مثل هذا في أكثر من كتاب ، في مثل قوله ” والأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرع على الحنبلية ، كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس العقلي فرع عليهم .. وإنما وقعت الفُرقة بسبب فتنة القشيري “
مجموع الفتاوى 6 / 53
وقد حدثت سنة 469هـ بسبب كلام أبى نصر القشيرى في حق الحنابلة ، مما أثار خلافا أدى إلى قتل بعض الناس ، ثم تدخل الخليفة ونظام الملك ، وأطفئت الفتنة …