حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

شبهات لغوية حول القرآن [18].. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض

المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته

الشبهة الثامنة عشرة:

ويمضي صويحبنا الأحمق في لجاجاته قائلاًَ إن التركيب في الآية التاسعة من سورة “الفتح” يؤدي إلى اضطراب المعنى.

وها نحن أولاء نورد أولاً الآية المذكورة والتي قبلها ليتابعنا القارئ فيما نقول. قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} . وشبهة الأحمق تقول إن هناك “اضطراباً في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد إلى خطاب غيره، ولأن الضمير في {تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} عائد على الرسول المذكور آخراً، وفي قوله: {تُسَبِّحُوهُ} عائد على اسم الجلالة المذكور أولاً. هذا ما يقتضيه المعنى، وليس في اللفظ ما يعيّنه تعييناً يزيل اللَّبْس. فإن كان القول: {تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} عائداً على الرسول يكون كفراً لأن التسبيح لله فقط.

وإن كان القول: {تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} عائداً على الله يكون كفراً لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزَّره ويقوَّيه” (ص 110) . ورداً على هذا السخف الذي لٌفَّته هذا الببغاء تلقينا فأداه كما قيل له دون أن يفقه منه شيئاً نقول: أما الالتفات من “كاف الخطاب” لـ “واو” المخاطبين فلست أدري ماذا فيه. إن رب العزة المتعال يخاطب رسوله قائلاً: “إنا أرسلناك (يا رسول الله) شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا (أنت وسائر العباد) بالله ورسوله … إلخ”، فماذا في هذا الكلام مما يصعب فهمه؟ بٌؤْسَ للعقول السَّنِخة والأفواه المنتنة!

وأما المشكلة التي يريد أن يخلقها خلقاً في قوله عز من قائل: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} فلا وجود لها إلا في ذهنه المخبول. بالله لم لا يكون التعزير والتوقير والتسبيح جميعاً لله – عز وجل -؟ ما الذي في ذلك مما لا يناسبه سبحانه ويُوقع القائل به في الكفر؟ إن الله حلَّت قدرته ليس في حاجة فعلاً إلى أية مساعدة أو عون من أحد، بَيْدَ أن الكلام في الآية إنما هو على المجاز مثل قوله في الآية السابعة من سورة “محمد”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقوله في الآية 17 من “التغابن”: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} وغير ذلك.

ومغزى المجاز في الآية التي بين أيدينا هو زيادة الحضّ على الاستمساك بعروة الإسلام ونصرة مبادئه والجهاد دفاعاً عنه والتضحية في سبيله بالنفس والنفيس، وهو أسلوب من الكلام يراد به استفزاز أقصى طاقات المخاطب واستنفار كل ما تجيش به نفسه من عزم، إذ متى ما قيل للمؤمن إنك، بعملك كيت وكيت، إنما تنصر الله نفسه، فإنه يهبّ بجمع طاقته وعزيمته لتحقيق ما تطلبه منه.

كذلك فهذا الأسلوب يُشْعِر المؤمن بأنه شديد القرب من ربه، ويجعل حبل المودة بينه وبين مولاه قوياً متيناً. ولقد أثمر هذا الأسلوب ثمرته فرأينا المسلمين يسترخصون كل شيء في سبيل نصرة دينهم ورسوله، بخلاف غيرهم ممن أسلموا نبيهم وفرّوا من حوله فأخذ يصرخ (كما جاء في كتبهم التي لا نصدقها) مستنجداً بالسماء على غير جدوى! وفي هذا بلاغ، ولا داعي للإفاضة! وأما بالنسبة للتوقير فنستشهد عليه بما جاء في الآية 13 من سورة “نوح” خطاباً من هذا النبي الكريم لمشركي قومه: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} ؟. لا مشكلة إذن في الآية كما هو واضح، بل المشكلة في الذهن المأفون!

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu