حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

اختيار الصوت القوي للمعنى القويّ.. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق

لاشك أن أصوات العربية تتفاوت من حيث القوة والضعف، وتكتسب الأصوات قوتها أو ضعفها من صفة أو أكثر قد لحقت بها من صفات القوة، كما تكتسب بعض الأصوات ضعفها من صفة أو أكثر من صفات الضعف قد لحقت بها.

وقد صنف العلماء الصفات التي تلحق بالأصوات صنفين:

أولها صفات القوة، وهي صفات الجهر والشدة والتفخيم، فالحروف المجهورة أو الشديدة، أو المفخمة حروف قوية، و قد يجتمع في الحرف الواحد صفتان من هذه الصفات مثل الباء فقد اجتمع فيها الجهر والشدة، والطاء اجتمع فيها التفخيم والشدة، وقد تجتمع صفات القوة في حرف، وذلك مثل الضاد في نطق المعاصرين الذي جمع بين الجهر والشدة والتفخيم.

ثانيها صفات الضعف، وهي صفات الهمس والرخاوة والترقيق، فبعض الأصوات مهموس مرقق، مثل التاء، وبعضها مهموس رخو مرقق، مثل الثاء والسين وغيرها.

وقد لاحظ العلماء أثر الصفة في قوة الصوت أو ضعفه، فهذا مكي في الرعاية يقول: “الحروف المجهورة، وهي أقوى من المهموسة … وبعضها أقوى من بعض على قدر ما فيها من الصفات القوية غير الجهر”[1]، ويقول عن الشدة: “والشدة من علامات قوة الحرف، فإن كان مع الشدة جهر وإطباق واستعلاء فذلك غاية القوة في الحرف، لأن كل واحدة من هذه الصفات تدل على القوة في الحرف، فإذا اجتمع اثنان من هذه الصفات في الحرف أو أكثر فهي غاية القوة، كالطّاء، فعلى قدر ما في الحرف من الصفات القوية كذلك قوته، وعلى قدر ما فيه من الصفات الضعيفة فذلك ضعفه … فالجهر والشدة والصفير والإطباق والاستعلاء من علامات قوة الحرف، والهمس والرخاوة والخفاء من علامات ضعف الحرف”[2].   

وقد أوصل بعضهم الصفات القوية إلى إحدى عشرة صفة وهي: الجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والانحراف والتكرير والتفشي والاستطالة والغنة، في حين عد الصفات الضعيفة ستاً، وهي الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح واللين والخفاء[3].

وذكر صنفاً ثالثاً وهو الصفات المتوسطة، وعد منها الإصمات والذلاقة والبينية أي التي بين الشدة والرخاوة، ثم قال: “وباعتبار تقسيم الصفات إلى هذا التقسيم تنقسم الحروف الهجائية كذلك إلى أقسام ثلاثة: قوية وضعيفة ومتوسطة، وذلك حسبما يتصف به الحرف من الصفات القوية، أو الضعيفة، أو المتوسطة”[4]، و قد قام ابن جني بدراسة تطبيقية على الألفاظ التي تجمع بين أصواتها عنصراً من عناصر القوة في مقابل الألفاظ التي فقدت هذا العنصر ودلالة كل على معناه[5]، والمتأمل في ألفاظ القرآن الكريم يرى أن بعضها حوى بعض أصوات قوية للدلالة على المعنى القوي، فإيثار المجهور على المهموس في بعضها دلالة، وإيثار الشديد على الرخو له دلالة أيضاً، وكذلك إيثار المفخم على المرقق، وهلم جَرّاً، وسأحاول استعراض بعض هذه الألفاظ ودلالتها على قوة المعنى في هذه العجالة.

=========================

[1] الرعاية لمكي بن أبي طالب، تحقيق د. أحمد حسين فرحات، دار عمار بالأردن ط 4 عام 1422هـ- 2001م ص 116،117

[2] الرعاية ص 117 ، 118

[3] ينظر هداية القاري إلى تجويد كلام الباري للشيخ عبد الفتاح سيد عجمي المرصفي – دار الفجر الإسلامية بالمدينة المنورة ط 1 1421هـ – 2001م جزء أول ص 92

[4] هداية القاري 1/92

[5] الخصائص 2/162 ، 163 باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu