حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

البحث العلمي (أهدافه- أنواعه)

(أهدافه- أنواعه)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أ- أهداف البحث العلمي:

أفاض العلماء في الحديث عن أهداف البحث العلمي، وطبع كل واحد هذه الأهداف بطابع تخصصه، لكنّ معظم ما يذكرون قد لا يخرج عما قرره العلماء من أن ” التأليف على سبعة أقسام لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها، وهي: إما شيءٌ لم يُسبق إليه فيخترعه، أو شيءٌ ناقصٌ يتممه، أو شيءٌ مُغلَقٌ يشرحه، أو شيءٌ طويلٌ يختصره دون أن يخل بشيءٍ من معانيه، أو شيءٌ متفرقٌ يجمعه، أو شيءٌ مختلطٌ يرتبه، أو شيءٌ أخطأ فيه مُصنِّفه فيصلحه.“([1])

وهذه الأهداف السبعة هي أهداف كلية، قد يندرج تحتها بعض الأهداف الفرعية والثانوية، وسوف نقف مع كل واحد منها، ذاكرين له مثالًا من المؤلفات العربية على اختلاف تخصصاتها:

أوَّلًااختراع معدوم، في هذه الحالة يريد الباحث أن يصل إلى شيء جديد لم يُسبق إليه، وغالبا ما تكون الحاجة هي الداعي القوي لمثل هذه الحالة؛ (لأن الحاجة كما يقولون أم الاختراع)، وتحت هذا الهدف يمكن وضع كل المخترعات التي أدت إلى تقدم البشرية ازدهارها.

ويمكن التمثيل لهذا الهدف في الدراسات اللغوية باكتشاف الخليل بن أحمد الفراهيدي (170ه) علم العروض، ووضع قواعده وأسسه ومصطلحاته وغيرها من العناصر المكونة للعلوم، وأراد بذلك أن يضبط لنا البحور التي ينتظم فيها الشعر العربي على اختلاف أغراضه وأنماطه.

ثانيًا– إكمال ناقص، في رحلة الباحث مع العلم قد يرى بعض المصنفات غير المكتملة، ويكون ذلك لعدم وصول المؤلِّف إلى ما وصل إليه الباحثُ نتيجة توافر كتب معينة أو معارف مختلفة لم يحط بها المؤلِّف، أو يكون ذلك بوفاة المؤلف قبل اكتمال فكرته، ويدخل في هذا الجانب الاستدراكات.

وقد وجدنا ذلك – على سبيل المثال- عند جلال الدين السيوطي (911ه) فقد وجد جلال الدين المحلي وقد فسِّر نصف القرآن الكريم، من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس والفاتحة، ولحق بالرفيق الأعلى، فأتم السيوطي ما أكمله المحلي وقام بتفسير السور من البقرة إلى آخر سورة الإسراء، وسار في ذلك على النهج الذي اختطه المحلي، وأخرج لنا تفسيرًا شهيرًا معروفًا باسم (تفسير الجلالين).

ثالثًاشرح مبهم، يتناول الباحث في هذا الهدف شرح ألفاظ أو قواعد أو أمور يرى أنها أصبحت مبهمة على المتعلمين أو طالبي العلم.

ويمكن التمثيل لهذا بما كُتب في غريب ألفاظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، حيث عمد العلماء إلى بعض الألفاظ التي بدت غريبة على قارئي القرآن الكريم وحافظي الأحاديث النبوية، ومن ذلك على سبيل المثال كتاب (المفرادت في غريب القرآن) للراغب الأصفهاني، و(غريب الحديث) لأبي عبيد.

رابعًاتهذيب مطول، ففي بعض الأحيان يُحتاجُ إلى تهذيب المؤلفات الكبيرة أو المطولة، خصوصًا عند إرادة تقريبها وتيسيرها على المبتدئين من المتعلمين، ويتم ذلك بأسس معينة يخطها الباحث أو العالم في بداية عمله، للعمل على عدم الإخلال بأصل من أصول الكتاب المؤلف.

ومن ذلك ما رأيناه في اختصار المعاجم، فأخرج لنا الرازي مثلا معجمه الشهير (مختار الصحاح) الذي اختصر فيه (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري.

خامسًاجمع متفرق، في أثناء مطالعة الباحث للكتب المتعددة، قد يجد بعض الأمور المتشابهة التي لا يجمعها مؤلَّف واحد، فيعمد إلى جمعها، وقد يصاحب هذا الجمع نوعٌ آخر من أنواع التأليف كالشرح أو الدراسة أو غيرهما، وهو ما نلاحظه في بعض الدراسات التي يذيل عنوانها بعنوان فرعي يكون (القضية الفلانية.. جمعا ودراسة).

ومثال ذلك كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين) لابن الأنباري، فقد جمع فيه تلك المسائل النحوية الخلافية بين مدرستي البصرة والكوفة، وعلق عليها شارحًا ومرجحًا.

سادسًا– ترتيب مختلط، وفي هذه الحالة يرى الباحث أمامه أمور مختلطة في حاجة إلى ترتيب فيعمد إلى ترتيبها على نمط معين.

ومن ذلك على سبيل المثال عندما أدرك العُكْبَري (616ه) صعوبة الوصول إلى مواد كتاب إصلاح المنطق لابن السِّكِّيت (244ه) فقام بترتيب مواده على حروف المعجم وسماه (المَشُوفُ المُعْلَم في ترتيب الإصلاح على المعجم).

سابعًاتصويب خطأ، فقد يجد الباحث خطأ أو أخطاء عديدة في مؤلَّف ما، فيجرد من قلمه مدافعا عن الحقيقة في هذه القضية، ويعمل آليات البحث لتعضيد هذا الرد أو التصويب، ومن ذلك الرد على الشبهات المثار حول قضايا معينة.

ومثال كتاب (الرد على المستشرق اليهودي جولد تسيهر في مطاعنه على القراءات القرآنية) للأستاذ الدكتور/ محمد حسن جبل. وقد رد على مطاعن هذا المستشرق التي أوردها في مقدمة كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي).

وقد يهدف الباحث إلى هدفين أو أكثر في العمل الواحد فيضم إلى جانب الجمع الدراسةَ أو الشرح أو غيرهما من الأهداف.

ب- أنواع البحث العلمي:

للبحث العلمي أنواع متعددة، وينبثق هذا التعدد من اختلاف مجالات البحث وموضوعاته ودوافعه ومناهجه إلى غير ذلك من أشكال الاختلافات، ويمكن توضيح بعض هذه الأنواع على النحو التالي:

  1. من حيث مجال الدراسة:

تتعدد الأبحاث العلمية من حيث المجال التي تنتمي إليها، لما يتميز به كل مجال عن آخر من حيث الأهداف والآليات والمصادر.. إلخ وقد قسم البعض المجالات المعرفية إلى ثلاثة: (العلوم الرياضية، العلوم الطبيعية، العلوم الإنسانية) “ومن ثم تتلون الأبحاث وفق مجالها وموضوعها، فهناك البحث الهندسي، وكذلك الفلكي، أو الجيولوجي، أو السياسي، أو اللغوي. ومن اللغوي نقف على الأنماط المتنوعة، فهناك النحوي والصرفي، والبلاغي والأدبي والمعجمي والصوتي.. إلخ “([2])

  1. من حيث دوافع الدراسة:

تتنوع الأبحاث من حيث الدوافع الكامنة وراء إجرائها والتي قد تكون:

  • الرغبة الشخصية التي يسير وراءها الباحث للوصول إلى الحقيقة في قضية معينة دون أن يكون غرضه الترقي أو التقدم لنيل درجة علمية أو غيرها
  • طلب مؤسسة علمية له، كجامعة أو مركز علمي أو مجلة متخصصة، وهو ما يعرف (بنظام الاستكتاب)، حيث تعهد المؤسسة إلى باحث أو عدة باحثين إجراء دراسة في موضوع معين، مقابل عائد محدد.
  • تدريب من يقوم بهذا البحث على إعداد البحوث تمهيدًا لتكليفه ببحوث أعمق وأشمل، مثلما يحدث في الجامعة من حيث تكليف الطلاب بأبحاث صغيرة الحجم، ذات موضوعات ضيقة، وهو ما يطلق عليه (البحث الصفي)، أو ما يكلف به طلاب الدراسات العليا؛ لإعدادهم أكاديميا وتزويدهم بالمهارات البحثية اللازمة للانتقال إلى مرحلة أعلى.
  • الحصول على درجة علمية معينة، كإعداد رسالة للحصول بها على درجة التخصص (الماجستير) ويقصد من هذا الإعداد إضافة الجديد من العلوم، وتمكين الباحث من الحصول على تجارب أوسع نطاقا، وأكثر دقة في الجمع والتصنيف والتحليل والاستنتاج، وإعداده لمرحلة أعلى وهي (الدكتوراه).

ثم إعداد أخرى للحصول على درجة العالِمية (الدكتوراه) وذلك بعد إنهائه المرحلة الجامعية والدراسات العليا، ويٌقصد من هذه الدرجة أيضا إضافة الجديد، باستيعاب تام، ورؤية أوضح، وتحليل أدق، ورؤية شخصية.

  • إعداد البحوث للترقي إلى مرتبة علمية، وهذا النوع يعده أعضاء هيئة التدريس بالجامعات بعد الدكتوراه للحصول على درجة أستاذ مساعد (مشارك) أو أستاذ، وتكون أبحاث أقل حجما من الماجستير والدكتوراه، لكنها أعمق من التناول، وجديدة من حيث الفكرة.
  1. من حيث نطاق الدراسة: قد تتعدد الأبحاث بناء على نطاقها إلى:
  • دراسات وثائقية:

بمعنى أن يجمع الباحث مادته العلمية من الكتب والرسائل والأبحاث ذات الصلة بموضوعه، ثم يعكف على تصنيفها وتحليلها.

  • دراسات ميدانية:

في هذا النوع يعمد الباحث إلى الزيارات الميدانية، لمؤسسة أو هيئة مختصة بما له علاقة بموضوعه، فالباحث في علم النفس أو الاجتماع يقوم بزيارة إلى المدارس أو المعاهد أو الجامعات إن كان بحثه مثلا عن التحصيل الدراسي أو الاستذكار.. إلخ، أو يقوم بزيادة السجون إذا كان موضوعه يخص جانبا اجتماعيا أدى إلى وقوع هؤلاء المسجونين في جريمة معينة، والبحث عن المشكلات الاجتماعية الكامنة وراءها، ومحاولة تقديم المشورة للقضاء على هذه الجرائم من منظور اجتماعي.

[1])) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (1/35) حاجي خليفة.

[2])) البحث اللغوي أصوله ومناهجه (19)

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu