حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

لمحات من توجيه القراءات السبع في فاتحة الكتاب

توجيه القراءات السبع في فاتحة الكتاب

هذه لمحات سريعة لتوجيه فرش القراءات السبع الواردة في سورة الفاتحة، مع محاولة ربطها بالمستوى اللغوي الذي تنتمي إليه:

  • قال تعالى: )مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( [الآية: 4]

قرأ عاصم والكسائي ) مَالِكِ ( بألف بعد الميم، على وزن (فَاعِل).

وقرأ الباقون)  مَلِكِ (  دون ألف، على وزن (فَعِل).

التوجيه:

مَن قرأ: ) مَالِكِ ( فهو اسم فاعل من (مَلَكَ)؛ واسم الفاعل هنا يفيد التملك؛ فالله – عز وجل- متملك لهذا اليوم وما فيه، ومتحكم فيه وما يحويه. ويعضد هذه القراءة عدم اختلاف القراء على صيغة اسم الفاعل في قوله: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران: 26] فلم يقرأها أحدٌ (مَلِك).

مَن قرأ: ) مَلِكِ ( فهي صفة مشبهة، من الفعل (مَلَكَ) أيضًا، تفيد المُلك، فالله – عزوجل- الملك في هذا اليوم، لا مَلِكَ فيه غيرُه، ولا رَبَّ للناس فيه سواه، حتى من كان منهم مَلِكًا في الدنيا، ومن اتخذ أربابًا من دونه فيها، فالكل يومها خاضعٌ لأمره سبحانه.

ويعضد هذه القراءة- أيضًا- عدم اختلاف القراء على (مَلِك) في قوله تعالى: )فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ( [طه: 114]وقوله تعالى: )مَلِكِ النَّاسِ( [الناس: 2]، وأنَّ (مَلِك) أعلى شأنًا من مَالِك، يقول الرازي في تفسيره: (..واعلم أنَّ ورود لفظ الملك في القرآن أكثر من ورود لفظ المالك؛ والسبب فيه أن الملك أعلى شأنًا من المالك)([1])؛ ولعل سبب علو الشأن هذا يتأتى من أنَّ كلَّ واحدٍ منا يستطيع التملك، أما المُلك فلا يصل إليه إلا القليلون.

ونستطيع أن نجمع بين القراءتين فنقول: إن الله – عز وجل- مالك هذا اليوم بما فيه ومَن فيه، وهو ملك الناس جميعًا في هذا اليوم أيضًا، فلا يتناقض الملك في شأن هذا اليوم مع تملكه ومن فيه.

ومن الواضح أن هذا الاختلاف ينتمي إلى (المستوى الصرفي)، وتحديدًا اختلاف (الأبنية الصرفية)، ما بين (اسم الفاعل والصفة المشبهة).

  1. قال تعالى: ) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ( [الآيتان:6، 7]

قرأ قنبل عن ابن كثير ) السِّرَاطَ ( و ) سِرَاطَ ( بالسين. وقرأهما خلف عن حمزة بين الصاد والزاي، وقرأهما الباقون بالصاد هكذا (الصِّرَاطَ) و (صِرَاطَ).

التوجيه:

من قرأ ) السراط ( بالسين؛ فعلى أصل هذه الكلمة.

ومن قرأ ) الصراط ( بالصاد؛ فعلى اتباع خط المصحف، والصاد في هذه الكلمة مبدلة من السين لمناسبة الطاء بعدها، ” فالسين حرف مهموس فيه تسفل، وبعدها حرف مطبق مجهور مستعلٍ [هو الطاء] واللفظ بالمطبق المجهور بعد المستفل المهموس، فيه تكلف وصعوبة؛ فأبدل من السين صادا لمؤاخاتها الطاء في الإطباق والتصعد؛ ليكون عمل اللسان في الإطباق والتصعد عملا واحدا، فذلك أسهل وأخف.” ([2]) والنطق بالصاد في هذه الكلمة منسوب إلى لغة قريش، والسين لغة عامة العرب. ([3])

ومن قرأ الكلمة بين الصاد والزاي، فإن الكلمة بهذا النطق واردة عن العرب أيضا، يقول ابن خالويه: “وفي الصراط أربع لغات: السراط بالسين وهو الأصل، وبالصاد لمجيء الطاء بعدها، وبالزاي الخالصة([4])، وبإشمام الصاد الزايَ، كل ذلك قد قرئ به.. أخبرني ابن دريد عن أبي حاتم قال: اختلف اثنان في السقر والصقر، فقال أحدهما بالسين، وقال الآخر بالصاد. فسألت أعرابيا: كيف تقول أبالصاد أم بالسين؟ فقال: أما أنا فأقول بالزاي.” ([5])

فنطق الكلمة بالإشمام ؛ فلأن الزاي تؤاخي السين في الصفير، وتؤاخي الطاء في الجهر. على كما رأى ابن خالويه. ([6])

ومن الواضح أن هذا الاختلاف ينتمي إلى (المستوى الصوتي)، وتحديدًا الاختلاف (بين الصوامت).

  • قال تعالى: ) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ( [الآية: 7]، وفي كلمة عليهم موضعان:

الأول- حركة الهاء:

قرأ حمزة  ) عليهُمْ ( بضم الهاء وإسكان الميم.

وقرأ الباقون ) عليهِمْ ( بكسر الهاء وتسكين الميم وصلا ووقفا.([7])

التوجيه:

فمن قرأ ) عليهُمْ ( فعلى الأصل في هذه الهاء وهو الضم، ومن نطق بها لم يعبأ بالثقل الناجم عن تجاور الياء مع الضمة، ويُنسب هذا النطق إلى قريش والحجازيين عامة.

ومن قرأ  ) عليهِمْ ( فقد ذهب كثير من العرب إلى مراعاة الانسجام الصوتي في حركات الكلمة، فاتبعوا حركة الضمير (هم) وهي الضمة للياء قبلها بقلبها كسرة. وتتسب هذه اللغة إلى قيس وتميم وبني سعد.

الثاني- صلة ميم الجمع بواو:

قرأ ابن كثير وقالون عن نافع (عليهُمُو) بضم الميم ووصلها بواو وصلا.

وقرأ الباقون بإسكانها (عليهمْ) وصلا ووقفا.

واتفق الجميع على إسكانها وقفا.

التوجيه:

فمن قرأ (عليهُمُو) فعلى لغة القرشيين وأهل الحجاز عامة، ومن جاورهم من أهل اليمن، حيث يصلون ميم الجمع بواو.

ومن قرأ بالإسكان في لغة بعض العرب ممكن ينطقونها هكذا.

ويدخل هذا الاختلاف في هذه الكلمة بموضعيها تحت (المستوى الصوتي).

([1])  مفاتيح الغيب (1/146)

([2])  الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/34)

([3])  ينظر: اللهجات العربية في التراث (2/443) وراجع ما اعتمد عليه د. أحمد علم الدين الجندي من مراجع في هذه النسبة.

([4])  قرأ بها: حمزة في راوية عنه، وأبو عمرو في راوية الأصمعي، والكسائي في رواية ابن ذكوان عنه، وعن عاصم في رواية مجالد بن سعيد عنه، وهي لغة بني عذرة وبني كلب وبني القين. ينظر: معجم القراءات (1/18) د. عبد اللطيف الخطيب، دار سعد الدين- دمشق، ط الأولى، 1422ه-2002م.

([5])  إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم (28، 29)

([6])  الحجة في القراءات السبع (62)

([7])  ينظر: التيسير في القراءات السبع (169)

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu