حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

فاعلية الصوت اللغوي في صنع المعنى الشعري.. دراسة أسلوبية [الحلقة الثانية] بقلم أ.د/ محمد عيد محمد عبد الله

أستاذ أصول اللغة بكلية اللغة العربية بالمنوفية- جامعة الأزهر

3-توظيف الأصوات :

        وهذه المحاولة تكثر في شعر المعري يقول :

        فهذا بعينٍ وزايٍ يروحُ     وذاك يؤوب بضاد ورا(1).

        فصوت العين مضاف إلى صوت الزاي ينتج عن تركيبهما الكلمة (عز) هذا الذي يجوزه صنف من الناس، وكذلك يكون الأمر بالنسبة لانضمام صوتي الضاد والراء فينتج عنهما (ضر) وهذا الأخير يجوزه صنف آخر من الناس، ووسيلة الشاعر في أداء هذا المعنى التقطيع الصوتي، وعلم الشاعر بأن العين والحاء صوتان لم يردا في كلام العرب متجاورين وقد أعانه على أن يعبر بالتباعد البيِّن مخرجيهما من كراهية تجاور بعض الأقارب يقول :

        بعض الأقارب مكروه تجاورهم

                                وإن أتـوك ذوي قربـى وأرحام

        كالعين والحاء تأبى أن تقارنها

                                في لفظها فحماها في قربها حامي(2).

كما يعبر بالألف في حالة كونها لا تقبل غير السكون عن العجز في تحقيق الآمال العراض.

أقمت برّغْمي، وما طائري

ولي أمــلُ كأتم القنا ..

فيا ألف اللفظ لاَ تَأْمُلِـي

  براض إذا ألِفَتْـه الوكـونُ

وحالٌ كأقصـر سهم يكون

حراكاً فما لك إلا السكون(3).

كما يقول المعري :

جسم الفتى مثل قام فِعْـلٌ

والخِلُّ في لفظه دليل ..

  مُذْ كان ما فارق اعتلالا

بأنّ في وِدّه اختــلالا(4).

 يجمع المشبه (جسم الفتى) والمشبه به (قام) الاعتلال ووجه الشبه مبني على الفكرة العرفية التي مضادها أن فعل (قام) أصلها (قوم) تحركت واوه المفتوح ما قبلها فانقلبت ألفا، ومع ذلك فلم ينطق بها على الأصل، ولهذا فالإنسان لا يسلم من الاعتلال الذي يعتوره، “والخل” اسم مشتق من الاختلال، ومعنى كل منهما على طرفي نقيض واضح أنه وظف العلة الصرفية للتعبير عن العلة الإنسانية، والمثال الثاني :

        أعللت علة قال وهي قديمة

                                أعطيا الأطبة كلهم إبراؤها(5).

        يشير في هذا البيت إلى اعتلال (قال) وما يشبهها من الأفعال التي تنقلب واواتها وياءاتها في وسطها إلى الألفات، فلا يمكن أن تتحول عنها ولا أن تبرأ منها ويريد أن حياته قد طالت عليه وألزمته سجونه وما فيها من علل وآلام.

        ويقول المعري أيضاً :

        من لي بكاف إذا أصبحت رهن ثرى

                                        دال وعدت بلا راء ولا لام(6).

فهو قد استخدم صيغة فاعل في كاف من كفى، ودال من دال، وراء من رأي، ولام من لمى، وهي صيغ تشبه –شكلياً- الحروف (ك – د – ر – ل)، ومنه قول المعري :

والمصر آنسُ منه خَرق مفازة \ أنس الدليل بقافها مع طائها(7).

فالشاعر يوظف أسماء الأصوات لتكون كلمات ذات دلالة مقصودة هنا، والمقصود (بقافها مع طائها) طائر القطا.

=================

(1) لزوم مالا يلزم : طبعة دار صادر، بيروت، جـ1، ص76.

(2) اللزوميات، جـ2، ص459.

(3) السابق، ص510.

(4) السابق، ص298.

(5) اللزوميات، 1/54.

(6) السابق، ص60.

(7) السابق 1/52، دار الكتب العلمية، ط أولى، 1983م.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu