التَّنَاصّ فى ميزان النّقد [الحلقة الثانية].. بقلم أ.د/ إبراهيم الهدهد
أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة ورئيس جامعة الأزهر السابق.
التناص عند الغرب (النشأة ـ التطور ـ المصطلح )
لقد مر هذا المصطلح التناص (Entertaxtuolite) بمراحل فى الغرب، وأول من اشار إليه دون أن يذكر المصطلح ميخائيل باختين ضمن حديثه عن الدراسات اللسانية فى كتابه ( فلسفة اللغة ) وقد عنى به : الوقوف على حقيقة التفاعل الواقع فى النصوص فى استعادتها ، أو محاكاتها لنصوص أو لأجزاء من نصوص سابقة عليها ، ثم استوى المفهوم على يد تلميذته البلغارية جوليا كريستيفا(1)
وقد شاع هذا المصطلح فى الستينيات من القرن الماضى على يد الباحثة جولياكريستيفا فى عام 1966م فى مقالاتها عن السيميائية والتناص ، والتناص عندها : هو النقل لتعبيرات سابقة ، أو متزامنة ، وهو اقتطاع أو تحويل … وهو عينة تركيبية تجمع لتنظيم نص معطى التعبير المتضمن فيها ، أو الذى يحيل إليه ، وتضيف كريستيفا أن كل نص يتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات ، وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى، والتناص يندرج فى إشكالية الإنتاجية النصية بمعنى أن النص يتشكل من خلال عملية إنتاج من نصوص مختلفة(2) ، وبعبارة أوضح التناص عندها يعنى: أن أى نص يحتوى على نصوص كثيرة تدخل فى نسيجه نتذكر بعضها، ولا نتذكر بعضها الآخر وهى نصوص شكلت هذا النص الجديد فالكتابة نتاج لعدد كبير من النصوص المختزنة فى الذاكرة القرائية ، فالنص: هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى، وكأنه مصهور من المعادن المختلفة المتنوعة يعاد تشكيلها وإنتاجها، ولايبقى بين النص الجديد، وأشلاء النصوص السابقة سوى نوعية المادة ، وبعض البقع التى تومئ، وتشير إلى النص الغائب(3) ، التناص إذن عند كريستيفا هو علاقة بين الخطاب فى النص وبين خطابات محيطة وملازمة أكثر منه علاقة بين جمل معينة تقتبس أو تنحل أو تعارض(4) وعليه فيمكن أن يتقاطع فى الرواية خطاب التاريخ وخطاب المجتمع وخطاب التاريخ الأدبى.
وقد طوّر هذا المصطلح رولان بارت وعمقه لكنه زاده غموضا ، فكل نص عنده هو نسيج من الاقتباسات والمرجعيات والأصداء ، وكل نص ينتمى إلى التناصّ ، والبحث عن مصادر النص ، أو مصادر تأثره هى محاولة لتحقيق أسطورة بنوّة النص ، فالاقتباسات التى يتكون منها النص مجهولة ، ولكنها مقروءة فهى اقتباسات دون علامات تنصيص ، وإلى جانب التناصّ الذى يستخدمه المؤلف عند إنشاء النص هنا تناص آخر يستحضره القارئ ، فالقارئ عنده منتج آخر للنص مما يفضى بالنص أن يكون تناصا فى تناصّ فى تناصّ ، وهكذا مما زاد المصطلح تعقيداً(5)
ويضيف مارك أنجينو بعدا جديدا إلى مفهوم التناص حيث يقول كل نص يتعايش بطريقة من الطرق مع نصوص أخرى ، وبذا يصبح نصا فى نص تناصا”(6) وبهذا يصبح النص الأدبى ليس سوى مجموعة من النصوص سابقة عليه.
وممن أضاف بعدا جديدا إلى مفهوم التناص (ميشيل فوكو) فى كتابه ” نظام الخطاب” فهو يشير إلى أن النصّ يمر فى ثلاث حالات تتفاعل معا لإثراء النص، وإعادة إنتاجه فالخطاب ليس سوى لعبة كتابة فى الحالة الأولى ، ولعبة قراءة فى الحالة الثانية، ولعبة تبادل فى الحالة الثالثة ، وهذا التبادل، وهذه القراءة، وهذه الكتابة لا تستعمل أبدا إلا العلامات “(7) وهو هنا يتابع مراحل إنتاج النص منذ بدايته فى ذهن الكاتب ، ثم كتابته نصا، ثم قراءته، ثم تداوله ونقده، وفى كل هذه المراحل تتشكل الرموز والعلامات.
وممن أضاف بعدا جديدا آخر إلى مفهوم التناص ” امبرتوايكو ” فى كتابه ” دور القارئ ” ويتلخص هذا التطوير فيما أسماه بالمشى الاستنباطى ما بين النصوص ويقصد به البحث ما بين النصوص أو قراءة ما حول أو فوق اللغة للوقوف على العلامات والشيفرات والإشارات والرموز والنصوص الغائبة والمغيبة ، ثم تناصات الأفكار من المقروء الثقافى الذى يتضمنه ، ويوحى به النص(8)
ولقد وجد مصطلحا التناصّ والتناصية لهما موقع قدم فى القارة الأمريكية فقد دعا فريدريك جيمسون فى عام 1975م إلى مقاربة تناصية للأجناس الأدبية ثم تابعه غيره(9)
=====================
(1) التناص ( حوارية محمود درويش نموذجا ) إيمان الشنينى
(2) التناص نظريا وتطبيقا ص 9 وما بعدها د/ أحمد الزغبى ط مكتبة الكتانى بالأردن سنة 1995م
(3) التناص د/ خليل الموسى الأسبوع الأدبى بسورية عدد 834 23/11/2002م
(4) تعدى النص ص 11 وليد الخشاب جـ1 المجلس الأعلى للثقافة 1994م
(5) التناص للزعبى ص 10 ، 11
(6) التناص للزعبي ص 11
(7) السابق ص 13
(8) السابق ص 13
(9) آفاق التناصية ص 78 محمد خير الدين البقاعى الهيئة المصرية العامة للكتاب