حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

تغريب المصطلحات النقدية والبلاغية مشكلات التواصل ووأد الانتماء [الحلقة الخامسة].. بقلم أ.د/ إبراهيم الهدهد

أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة ورئيس جامعة الأزهر السابق.

أثر تغريب المصطلحات على التواصل

أنشأ تغريب المصطلحات قطيعة في المشهد النقدي العربي المعاصر يمكن حصرها في صورتين:

1ـ الصورة الأولى: نشأت قطيعة بين النقد والقارئ، وذلك بسبب شيوع مصطلحات، وتكثيفها في كتابات النقاد، وغموض دلالاتها حيث ” لم تتضح دلالاتها إلا لدى قلة من العرب،ومن هذه المصطلحات: تحول نوعي، شعريات الخطاب، انشغالاتها، رهاناتها، النمذجة الوصفية،إشكاليات سيميائية، تداولية، تخييل روائي” ([1])

وقد أضحى الغموض في الكتابات النقدية الحديثة سمة من سماتها مما قزّم جمهور القراء، وحينما تستعرض تلك الكتابات ترى ” لغة النقد تزداد صعوبة بازدياد الكثافة في الثقافة، فالناقد يتعامل مع المذاهب الغربية تعامل ابن هشام مع مغنى اللبيب، فابن هشام يذكر للقارئ بعض الشاهد لا كله؛ لاعتقاده أن القارئ يحفظ القرآن والحديث والشعر القديم، وهذا الناقد يذكر للقارئ جوهر الفكرة مركّزا في مصطلح نقدي معزوّ إلى ناقد غربي، كأن القارئ العربي يحفظ كتب النقد البنيوي والتفكيكي، كما يحفظ السبع المثاني، وهيهات، ومن هذا التكثيف غير الشفيف قول أحد الكتاب: وهناك من يسعى إلى تشييد نماذج نظرية ونقدية تتجاوز حدود التحليل الوصفي العام إلى اقتراح مقاربات تواصلية تداولية،أو سيميائية تعاقبية، أو سوسيونقدية، تأخذ في الاعتبار علائق البنى السردية والسيميائية بأيدلوجية العمل الأدبي”([2])

2ـ الصورة الثانية: القطيعة بين النقاد الحداثيين العرب أنفسهم، وذلك بسبب الاختلافات في ترجمة المصطلحات النقدية،أو تعريبها، فللمشارقة نهج في التعريب والترجمة، وللمغاربة نهج آخر في التعريب والترجمة ” فالمشارقة أحرص على إحياء ألفاظ التراث، وابتعاثها للدلالات المستحدثة، وتراهم ينفرون من كل مصطلح يشينه النشاز… والمغاربة ـ في نسبتهم العامة ـ أظهر جرأة على اللغة… ومن مظاهر الاختلاف والتباين في اشتقاق المصطلح استسهال المغاربة التوسل بآلية النحت… فهو ألصق بروح اللغات الانضمامية كلغات الأسرة اللاتينية والجرمانية، والأنجلوسكسونية… فتصادف في كلامهم : اللازمان، اللامكان، اللامرئي، اللاتاريخانية، وتصادف أيضا السوسيوبنائي، والنفسبنيوي، والتحلينفسي، وكذلك الزمكاني… ولكن المستساغ عند بعض أهل المغرب العربي ليس دائما مستساغا عند أهل المشرق… يقف الفكر وتقف معه اللغة على تمزق الذات الثقافية بين الأصالة الوفية، والاستشراف الجرئ”([3])

وقد أورد د/فاضل ثامر مصطلحات نقدية تختلف ترجماتها اختلافا كبيرا، مما يشكل أزمة في المشهد النقدي العربي الحديث ، فمثلا مصطلح (Lingnistics) ترجم عدة ترجمات منها: علم اللسان ، اللسانيات، علم اللغة، الألسنية، وقد تجاوزت مسمياته عشرين لفظا.

ومصطلح (Syntanatic) يترجم إلى عدة مقابلات :السياقية، الخطية، الأفقية، النسقية، الضميمية، التراصفية، الترابطية، وغير ذلك.

ومصطلح (Paradigmatic) يترجم إلى : الاستبدالية، الاختبارية، الجدولية، الإيحائية، الرأسية، وما إلى ذلك.

ومصطلح السيميائية يتقاسمها في اللغة الإنجليزية تعبيران أحدهما(Semiology) الذي استخدمه فرديناند دوسوسور، في كتابه دروس في الألسنية العامة، والآخر هو (Semiotices) الذي جاء به الفيلسوف الأميركي جارلزبيرس، والخطوة الأولى التي قام بها بعض المترجمين تتمثل في التعريب الصوتي للمصطلحين فوجدنا مصطلح السيميولجيا، والسيميوطيقا، وأحيانا السيميوتيك، إلا أن عملية الترجمة اللاحقة أضافت مقابلات جديدة منها: علم الإشارات، الإشاراتية، علم العلامات، العلاماتية، علم الأدلة، السيميائية، السيميائيات.

ومصطلح (Signe) يترجم إلى : الإشارة، العلامة، الدليل.

ومصطلح الشعرية (Poetics) يترجم إلى : الإنشائية، فن الشعر، نظرية الأدب، الشاعرية، قضايا الفن الإبداعي،علم الأدب، صناعية الأدب، قبل أن يستقر مصطلح الشعرية.

ومصطلح الخطاب (Discourse) مقابلاته : القول، الأطروحة، الحديث، الإنشاء،لغة الكلام، الكلام المتصل، أسلوب التناول.

ومصطلح السردية (Narratoloy) مقابلاته: علم السرد، السرديات، السردية، نظرية القصة، القصصية، المسردية، القصيات، السردلوجية، الناراتالوجيا([4]

ويحصر لنا عادل فاخوري ما يقرب من ستة أصوات دال للمصطلح في السيمياء والسيمية والسيميائية والسيميوطيقا والسميولوجيا والرموزية، ثم يستقر الأمر لديه على الدال (السيمياء) وعلى التعددية ذاتها يؤكد معجب الزهراني على وجود أكثر من ثمانية دوال لـ (Semiotic) ويورد ترجمة غريبة لأحدهم بـ (الأعراضية)([5])

كل هذا الاختلاف مما يقطع أواصر التواصل، وهو لايقل خطرا عن قطيعة الأرحام بين الأهل، لما له من خطر على لغة القرآن الكريم، والهوية العربية.

=======================

([1])  على محك لغة النقد ،د/غازي مختار طليمات، ص 5 جريدة البيان الإماراتية، الخميس 23 مايو 2002م.

([2])  السابق الصفحة نفسها.

([3])  اختلاف المصطلح بين المشرق والمغرب د/ المسدي 28:24، كتاب العربي أكتوبر 2006م.

([4]) ينظر: إشكالية المصطلح النقدي في الخطاب العربي الحديث د/ فاضل ثامر 8،7 منشور على الشبكة العنكبوتية بتاريخ 7/10/2004م (Http://www.nizwa.com)

([5])  ينظر آليات التشكيل وسيميائيات التأويل د/خالد البلتاجي 5،4 نشر المؤلف بمصر 2010م.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu